قصص الحيوانات للأطفال الصغار

قصة بيت الزرافة
قصة بيت الزرافة
قصص الحيوانات للأطفال  , قصص اطفال عن الحيوانات , قصص حيوانات للأطفال , قصة للأطفال عن الحيوانات , حكايات للأطفال عن الحيوانات , حواديت الحيوانات للأطفال الصغار. لكل محبي القصص الجميلة للأطفال اذا كنت تبحث عن قصة ابطالها من الحيوانات لترويها الي اطفالك للتسلية او للتعلم سنقدم لكم مجموعة رائعة من القصص الجميلة والرائعة المناسبة لأطفالكم تدور احداثها حول الحيوانات اتمني ان تنال اعجابكم.👪💬 شاهد ايضا : قصص اطفال قبل النوم .

قصة بيت الزّرافة

يُحكى أنّ زرافةً غنيةً كانت، لسوء الحظ، تميل إلى الكسل وتحبّ الراحة وتكره العمل.

نادت أم الزّرافة زوجها: يا أبا زرافة!

أجاب الزوج: نعم، نعم، ماذا تريدين؟

قالت الأم: ابنتك زرافة كسلانة.

قال الأب: أعرف، أعرف.

أجابت الأم: نحن إذا تركناها على هذه الحال، اعتادت الكسل وشبّت تكره العمل. وفي هذا كما تعلم يا زوجي العزيز ضرر عليها الآن وفي المستقبل.

نعم قال الأب. ما العمل؟ ما العمل إذن يا زوجتي العزيزة؟

ردّت الأم: تكلّم معها، أفهمها.

قال الأب: هذا دورك أنتِ. هذا دوركِ يا زوجتي. أنتِ تعرفين أنّني إذا نبّهتها ولم تعمل بما أطلبه إليها تعرّضت للإهانة والضّرب، فلا تُدخليني في هذا الموضوع.

حسناً قالت الأم. أنا أتحدّث إليها. (تنادي): زرافة! زرافة! أين أنتِ يا ابنتي؟

صاحت زرافة: نعم يا أمي.

أجابت الأم: أنا أبحث عنكِ يا حبيبتي.

نعم. ماذا تريدين؟

أنت الآن يا ابنتي أصبحتِ كبيرة تقوين على العمل، فاعملي أيّ شيء تحبّينه حتى تعتادي العمل من الصّغر.



أجابت زرافة: لكن يا أمي أرجوك! أرجوك أن تعفيني من العمل الآن، واسمحي لي بالذهاب إلى الحديقة والتّمتع بمناظرها الجميلة بعض الوقت.

قالت الأم: أه يا زرافة! أنتِ زرافة غريبة الأطوار حقًا!

أرجوك يا أمي. غضّي الطرف عن مطلبك ودعيني أذهب إلى الحديقة، وأعدك أن أفكّر بشيءٍ أعمله.

حسنًا يا زرافة! اذهبي وعودي بعد قليلٍ.

ذهبت الزرافة إلى الحديقة فرأت طائرًا أحمر اللّون، فقالت له: مرحبًا أيها الطائر الأحمر! أليس لك عمل تعمله؟ هل كلّ ما تفكر فيه أن تأكل البندق من الصباح إلى المساء؟

أجابها الطائر: أتظنّين يا آنسة زرافة أنني لا أعمل الآن؟ لا، لا، لا. أنتِ مُخطئة، فأنا أعمل دائما، ولا أنقطع يومًا عن العمل. فكيف أتهاون وأتكاسل وعندي أسرة كبيرة أعيلها وأجمع قوتها الذي يكفيها طوال الشّتاء.

ولكن ماذا تفعل الآن؟ قل لي؟ قالت الزرافة.

أنا الآن أجمع قوتي وقوت أسرتي.

هذا شيء حسن، أجابت الزرافة.

إلى اللقاء يا آنسة زرافة.

مع السلامة، (لوحدها): يا له من طائرٍ نشيطٍ، هه..

فلأنطلق في الحديقة وأغنّي مع الطّيور.

فسمعت الزرافة أصوات طيورٍ ونحلٍ، فقالت: ما هذا؟ إنّها لا شك نحلة. (تنادي) يا نحلة، هيه أنتِ يا نحلة.

ماذا تريدين يا زرافة؟

أخبريني هل عندك أيّ عملٍ تقومين به؟

نعم قالت النحلة. عندي أعمال كثيرة في الحقيقة، فأنا أطير من زهرةٍ إلى زهرةٍ وأجمع رحيق هذه الأزهار، وأُخرِجُ منه طعامًا لذيذًا لصغار النّحل وللناس أيضًا.

وما هو هذا الطعام الذي تخرجينه يا نحلة؟ سألت الزرافة.

أجابت النّحلة: ألا تعرفين ما أنتجُ؟

لا، قالت الزّرافة.

إنّه العسل! ألم تذوقي العسل، عسل النّحل، من قبل؟

آه! صحيح. أهذه أنت التي تنتج لنا هذا العسل؟

نعم، نعم. قالت النحلة. لا تؤاخذيني يا عزيزتي، يجب أن أنطلق إلى العمل، فأنا مشغولة جدًا جدًا، بالإذن. أرجو عدم المؤاخذة لأنّي سأتركك.

مع السّلامة يا نحلة.

وقالت الزرافة لنفسها: ما أنشطها من نحلةٍ! إنّها عاملة عظيمة. ثم سمعَت صوتًا يُنادي: زرافة! زرافة!

مَن؟ مَن يناديني؟

هذه أنا! النّملة..

حسنًا، لكنّي لا أراك، أين أنتِ؟

أنا تحت، على الأرض، قرب قدميك. أناديك حتى تنتبهي إليّ ولا تدوسيني.

وماذا تفعلين يا نملة الآن؟ أراك تحملين حملاً ثقيلاً. أليس ثقيلاً هذا الحِمل؟

نعم. نعم، ولكنّه عَمَلي.

أتركي حملك الآن، وتعالي إلعبي معي وارتاحي.

لماذا أرتاح؟ أنا مسرورة جدًا لحصولي على هذا الطعام مهما يُكلّفني من المشقّة والتعب، وليس عندي وقت للّهو واللّعب بما لا يفيد.

صاحت زرافة: هه! هذا أمر غريب حقًا! نملةٌ ولا تحبّ اللّعب؟!

فأجابت النملة: اتركيني أرجوك! فقد داس رجلٌ قاسي القلب مسكننا ومأوانا وخرّبه وأصبحنا في حالةٍ يُرثَى لها. ولكنّنا... اسمعيني جيدًا.

قالت زرافة: ماذا أسمع؟

فقالت النملة: ...ولكننا قرّرنا ألا نستسلم لليأس، وعزمنا على البحث عن مسكنٍ آخر آمنٍ نستريح فيه. ولذلك لا تؤاخذيني إن أنا لم أقبل دعوتك للعب، فعندي أعمال كثيرة تنتظرني ويجب أن أنجزها. إلى اللقاء يا زرافة.

أجابت الزرافة وقالت: مع السلامة. (لنفسها): يا لها من نملةٍ! إنّها تسير في دربها نحو عملها. كلّ مَن رأيتُ اليوم مُنهمك في عمله، وكلّ واحد منهم يلقي عليّ درسًا بليغًا: الطائر الأحمر والنحلة والنملة وكل المخلوقات. كلّها تعمل وتعمل إلاّ أنا! أنا الزّرافة الطريفة الحلوة لا أعمل شيئًا!

كانت زهرةُ قرنفلٍ تنظر إلى الزرافة، فصاحت هذه الأخيرة: زهرة القرنفل! زهرة القرنفل!

قالت الزهرة: نعم، ما بك يا زرافة؟

عندي سؤال لك يا زهرة!

ما هو سؤالك يا زرافة؟

قالت: هل تعملين أنتِ أيّتها الزهرة الجميلة؟

قالت زهرة مُتعجّبة: أنا؟

نعم أنتِ! هل تعملين؟

نعم طبعًا أعمل، وأعمل كثيرًا! فأنا أجمع في الصباح أشعة الشمس وأحتفظ بها في أوراقي. وإنّ جذوري تمتدّ في الأرض تطلب الغذاء والماء. إنّ كل جزءٍ من أجزائي يعمل يا زرافة!

قالت الزرافة: إذن، لماذا لا أعمل أنا؟

لماذا تسألين يا زرافة؟ اذهبي واعملي الآن؟

حالاً، حالاً أنا ذاهبة.

سمعت الزرافة صوت أبيها وأمها يضحكان، فقالت: أمّي، أبي، أين أنتما؟

قالت الأم: هذا صوت زرافة!

وقال الأب: ها! ما بها زرافة؟

صاحت الأم: إنّها تنادينا.

أمي! أبي! أمي!

ما بك يا عزيزتي؟

أمي العزيزة! أبي العزيز! لقد فهمتُ فائدة العمل. عرفتُ أنّه سلاح فعّال لِمَن يريد الحياة. أنا أعتذر عن كسلي في الماضي، ومُستعدّة لأن أعمل ما تأمراني به.

هذا خبر مُفرح حقًا، قالت الأم. أمّا الأب فقال: أنا سعيد جدًا لمعرفتك هذه الحقيقة يا ابنتي!

وَدَعتها أمّها: يا حبيبتي! تعالي ساعديني في ترتيب البيت وطبخ الطعام.

هيّا يا أمي! وأنا على أتمّ استعدادٍ، وسأبقى هكذا دائمًا.

أنتهيت القصة


التالي قصة عصفور وجرادة




[next]


قصة عصفور وجرادة
قصة عصفور وجرادة
قصة عصفور وجرادة




يُحكى أنّ أسكافيًا فقيرًا اسمه "عصفور" كان يعيش في مدينة بغداد القديمة. وكانت له زوجة اسمها "جرادة"، تُذكّره كل يومٍ بفقره وعجزه عن توفير حياة مريحة لها.

وذات يومٍ، رأت جرادة وهي تتجوّل في السوق، سيدةً ترتدي ملابس فاخرةً وتتجمّل بالحلي من ذهب وماس ولؤلؤ وحولها مجموعة من الخادمات الجميلات. وسألت عن المرأة فقالوا لها: إنّها زوجة رئيس المُنجّمين عند الملك. وسألت مرة ثانية: وماذا يفعل المنجّم؟ فقالوا لها: يتطلّع إلى النجوم في السّماء ثم يتنبّأ بما سيحدثُ في المستقبل ويقرأ أفكار الناس، ويعرف أماكن الأشياء المفقودة.

قالت جرادة لنفسها: ولماذا لا يصبح زوجي "عصفور" مُنجّمًا حتى أصبح غنيةً كهذه السيدة؟! وأسرعت إلى المنزل.

رأى الإسكافي وجه زوجته المتلهّف فسألها: ماذا حدث يا عزيزتي؟ فأجابت بغضبٍ: لماذا اخترت مهنة الإسكافي التافهة؟ هل ستظل طول حياتك تصلح الأحذية؟ لماذا لا تصبح مُنجّما فتربح مالاً كثيرًا فينتهي فقرنا وجوعنا؟

صاح عصفور: هل أنت مجنونة يا زوجتي؟ كيف أصبح مُنجّمًا وأنا لا أعرف شيئًا عن النّجوم؟!

قالت الزوجة: كفى كلامًا... إذا لم تعمل من الغد مُنجمًا، فسأعود إلى منزل أسرتي ولن أعيش معك بعد اليوم!

احتار الأسكافي في ما يفعل.. إنّه يحب زوجته ولا يريد أن يفقدها. لكن كيف يصبح مُنجّمًا؟؟

أمّا الزوجة التي تحلم بالثراء، فقد جمعت له بعض الكراريس القديمة واستعارت سجادة صغيرة من بيت والدها، وقالت: هذا كل ما تحتاج إليه لتصبح مُنجّما. وألحّت عليه ليجلس بين المُنجّمين في السوق. فذهب ونفّذ ما تريد.

كانت زوجة السلطان تنتظر مولودها الأول، وذهبت لتشتري ملابس للطفل، فرأت "عصفورًا" يجلس وحده، فأرسلت خادمتها لتستفسر منه عن صناعته. ولمّا علمت أنه مُنّجم جديد أرسلت إليه دينارا مع الخادمة وسألته: هل المولود الذي تنتظره السّلطانة ذكر أم أنثى؟

فرح عصفور بالدّينار الذي يمسك به لأول مرة في حياته! ثم صار يُقلّب في كراساته، ويعضّ شفته وهو ساكت لا يتكلّم. وقال في نفسه:

سأجيبها بأسلم إجابةٍ، قد يخطئ نصفها ولا تخطئ كلّها. إذا قلتُ إنها ستلد ولدًا فقد تلد بنتًا، وان قلت بنتًا فقد تلد ولدًا. أمّا إذا قلت إنّها ستلد ولدًا وبنتًا، فإن نصف إجابتي فقط ستكون مخطئةً سواء وُلدت ولدًا فقط أو بنتًا فقط، أو ولدين أو بنتين، وستكون إجابتي صحيحةً إذا ولدت ولدًا وبنتًا. لذلك رفع وجهه إلى السماء وهز رأسه وقال: ولد وبنت ليس كمثلهما في الأرض أحد.

أسرعت الجارية وأخبرت السلطانة بإجابة "الشيخ عصفور المُنجّم".

وقبل أن يطلع الصباح كانت السلطانة قد ولدت ولدًا وبنتًا كما قال "عصفور" المًنجم ، وامتلأ القصر بالفرح والإبتهاج.

وفي اليوم التالي، أرسلت السلطانة مع بعض خدمها بغلةً وملابس فاخرة، وألف دينار هدية للمنجم عصفور، وطلبت إليهم أن يبحثوا عنه ويسلّموه الهدية ويحضروه إلى القصر لتشكره على أنّه بشّرها بهذا الميلاد المُبارك.

أمّا عصفور المنجم، فما إن تركت الجارية الدينار في يده وانصرفت، حتى جمع الدفاتر والسّجادة وهرب إلى البيت، وقال لزوجته: "لقد أخذتُ اليوم دينارًا، لكنّي كذبت على زوجة السلطان. غدا ينكشف كذبي ويشنقونني. خُذي هذا الدينار، وإذا جاء أحد يطلبني فقولي إنني لستُ هنا وأعطيهم دينارهم ليذهبوا عنّا.

وبات عصفور مهمومًا حزينًا، يفكّر فيما يمكن أن يحدث له في الغد.

وفي الصباح، أقبل خدم السلطان يسألون عن المُنجم الجديد. فسمعهم عصفور وقد امتلأ قلبه رعبًا وقال لإمرأته: هذه نتيجة مشورتك! تقولين لي إعمل مُنجمًا، ولا تتدبرين العواقب!! اذهبي قابليهم إذن، وخذي أنتِ الصفع والركل! قولي لهم إني رجل مجنون، لا أدري ما أقول. ثم أسرع واختبأ داخل الدار.

لما فتحت الزوجة الباب قال لها خدم السلطان: زوجة السلطان تطلب المنجم عصفور. فتظاهرت الزوجة بالمذلّة والمسكنة وقال لهم: هو رجل مسكين مجنون، لم يكن يدري ما يقول، خذوا الدينار وسامحوه!

فقال لها رئيس الخدم، وهو لا يفهم معنى قولها: إنّك أنت المجنونة يا امرأة! السلطانة ترسل له معنا ألف دينار وبغلة وملابس غالية. دعيه يخرج ليأخذها ويذهب معنا.

صارت المرأة تصرخ بأعلى صوتها وكأنّما أصابها مس من الجنون: الثّروة وصلت يا عصفور... السلطانة أرسلت لك ألف دينار وبغلة!

فقال عصفور من مخبأه: سأكون أنا البغل إن صدّقتُ أنا هذا الكلام.

عندها أمسكت جرادة زوجها من ملابسه وجرّته جرًا إلى الباب، وهي تقول لخدم السلطانة: هذا هو المُنجّم عصفور.

فأخذوه إلى الحمّام وألبسوه الملابس الجديدة وأركبوه البغلة، وأعطوه الألف دينار في كيس كبير وضعه أمامه على ظهر بغلته.

سار عصفور وخلفه جمعٌ كبير، يغنّون ويرقصون. وهكذا بين يومٍ وليلةٍ، أصبح الشيخ عصفور أشهر مُنجّمٍ في المدينة.

حدث في اليوم التالي أن كان السلطان يتناول الطعام في حديقة قصره. وعندما قام ليغسل يديه فوق البركة، كان في إصبعه خاتم السلطنة، وبه ماسة قيمتها ألف دينار، فنسي الخاتم على حافة البركة، فجاءت بطة عرجاء وبلعت الخاتم. وكان للسّلطان خادم صغير، شاهد البطّة وهي تبتلع الخاتم، لكنه لم يذكر شيئًا عن ذلك عندما سأل السلطان عن خاتمه. كان الخادم يريد أن ينتظر بضعة أيامٍ حتى تهدأ ضجّة البحث عن الخاتم، ثم يذبح البطّة ويأخذ الخاتم.

أمر السلطان بإحضار المُنجّمين وأخبرهم أنّ خاتم السلطنة فقد وأنه سيعطي ألف دينار لمن يرشد إليه، فهو عزيز عليه جدًا، وقد ورثه عن أبيه وجدّه. ولما لم يعرف المُنجّمون مكان الخاتم، طلب السّلطان أن يحضر له الخدم مُنجّم السلطانة.

خاف عصفور عندما رأى خدم السلطان، وجفّ ريقه، وقال لزوجته: إن كانت الصّدفة أنقذتني في المرة السابقة، فهل ستنقذني الصدفة هذه المرة؟ وخشيَ أن يشنقه السلطان إذا ظهر كذبه.

شجّعته زوجته على استخدام الحيلة والذّكاء، فقد تخدمه الصدفة هذه المرة أيضًا. فقال لها: إذا خانتني الحيلة والذكاء سأخبرهم أنك السبب في تظاهري بالحكمة والمعرفة، وسأجعلهم يعطونك النّصيب الأكبر ممّا أستحقه من الصفع والركل.

ثم اتّجه إلى قصر السلطان ودخل قاعة الإنتظار حتى يأذن له السلطان بالدخول.

وكان على نوافذ القاعة ستائر من حرير، منقوش عليها رسوم لبعض الطيور والحيوانات من بطٍ وحمامٍ وغزلان وأرانب وغيرها. وكان عصفور يُفّكر في أمره، وأخذ يحدّق إلى الستائر ويهز رأسه.

في هذه اللحظة، تسلّل الخادم الذي كان قد شاهد البطة ليراقب الشيخ عصفورًا، وقد سمع عن قصّته مع السلطانة وبراعته في معرفة الأشياء. ولما رأى عصفورًا يحدّق إلى الستائر، اضطرب قلبه وقال في نفسه: هذا المنجم البارع يحدّق إلى رسم البطة فوق الستار! لقد عرف أنّها هي التي بلعت الخاتم وسيعرف أنّني شاهدتها وهي تبلعه، وأخفيت ذلك، وسيخبر السلطان فيشنقني!

دفع الخوف الخادم فاقترب من عصفور وهو مضطرب ورجاه ألاّ يقول عنه شيئًا للسلطان.. وقال:لقد خشيت أن أذكر للسلطان أن البطة العرجاء بلعت الخاتم من فوق حافة البركة عندما كان يغسل يديه ونسي الخاتم هناك.

فقال عصفور للخادم: لقد عرفتُ الحقيقة كلها من النجوم، ولو لم تعترف لي الآن لأخبرتُ السلطان بالحقيقة فيقتلك. لكن ما دمت قد اعترفت لي، فلن أخبر السلطان بشيءٍ.. وإياك أن تقول شيئًا عن هذا الموضوع وإلاّ جعلت السلطان يقطع رقبتك.

دخل عصفور على السلطان، فوجد حوله كل الوزراء والمُنجمين. فطلب إليه السلطان أن يعرف أين ذهب خاتمه، وأخبره أن الجميع عجزوا عن معرفة مكانه، "فاذا عرفت مكانه لك ألف دينار".

فسأله عصفور: أين كنت أيها السلطان عندما ضاع منك الخاتم؟ قال السلطان: كنتُ في البستان. قال عصفور: قُم بنا إلى البستان. فلمّا دخلوا إلى البستانن قال عصفور: أريد أن يمرّ أمامي كل مَن في البستان من أناسٍ وطير وحيوان. وتغامز بقيّة المنجّمين ساخرين، لكن السلطان أمر بتنفيذ طلب عصفور.

مرّ من أمام السّلطان وأمام عصفور موكب كل الخدم والغلمان الذين يعملون في البستان. ثم الغزلان والأرانب التي تعيش في الحديقة. ثم مرّت أمامهم أنواع الطّير من الوزّ والحمام والطواويس. ثم جاء دور البط في النهاية. وعندما مرّت أمامهم البطة العرجاء، حدّق إليها عصفور بعينيه تحديقًا شديدًا، وهزّ رأسه، ورفع ذراعيه إلى أعلى وصاح: أمسكوا هذه البطة. وهنا انطلق بقية المنجمون يضحكون منه ويسخرون!

كان السلطان قد اعتاد أن يتسلّى بمنظر هذه البطة. فكان كلّما رآها، يضحك من طريقة سيرها، فقال لعصفور: هذه البطة أتفاءل بها، ولا أسمح لأحد أن يؤذيها.

قال عصفور: إن كنت تريد الخاتم، فهو في بطنها. فقال السلطان: وإن لم نجد الخاتم في بطنها؟ قال عصفور: إفعل بي ما تشاء.

أمر السلطان بذبح البطة، وهو يشعر بالأسف الشديد عليها ويقول لنفسه: والله إذا لم نجد الخاتم في جوفها، لأقتلنّه في التو والسّاعة.

لكنّهم وجدوا الخاتم في حوصلتها!! وعندما رآه السلطان فرح جدًا وقال لعصفور: والله لا يوجد في الدنيا مثلك. إنّك تستحق ألفين من الدنانير لا ألفًا. وأخذ عصفور الألفين وأسرع إلى بيته وهو يكاد يطير من الفرح. أما بقيّة المنجمين فيكادون يموتون من الغيظ والحسد.

أخبر عصفور زوجته بما حدث وقال لها: هيا نذهب إلى بلدٍ بعيدٍ، ونكتفي بما آتانا الله من ذهب ودنانير. إنني أخاف أن أتعرض لتجربةٍ ثالثةٍ، أذهب معها إلى القبر.

رفضت زوجته الخروج من البلد الذي أتاها منه كلّ هذا الخير.

عاش عصفور وزوجته ينفقان بسخاءٍ من الثّروة التي هبطت عليهما، والمُنجّمون يحسدونه ولا يجرأون على إيذائه. لكنهم اجتمعوا يومًا إلى السلطان وقالوا له: أيّها السلطان العظيم. كيف تقدّم عصفورًا علينا؟ إنّه جاهل لا يفهم شيئًا. فأجابهم السلطان: لقد عرف ما عجزتم عن معرفته. قالوا: لقد خدمته الصدفة. قال السلطان: إذن أقيم تجربةً لأحكم بينكم وبينه. سأذهب إلى البستان، أخفي شيئًا، فإن عرفتموه حكمتُ لكم، وإن غلبكم فلن أسمع منكم كلمةً ضدّه بعد اليوم. فقبلوا بحكم السلطان.

دخل السلطان إلى البستان، وإذا بأحد العصافير الصغيرة يطارد جرادة، فأسرعت الجرادة ودخلت تحت ذيل ملابس السلطان، فاندفع العصفور ودخل وراءها. فأسرع السلطان وأمسك الإثنين تحت ملابسه، ثم خبّأهما بين يديه، وقال للمُنجّمين: َمن استطاع أن يعرف ما في يديّ حَكمتُ بتفوقه على خصمه. هيّا استدعوا الشيخ عصفورًا.

أسرع الخدم ليحضروا عصفورًا من منزله. فخاف عصفور وقال لزوجته: الثالثة هي القاضية. هذه المرة سيشنقني السلطان، ويأخذ منك الذهب! فقالت له زوجته: ثق بالله وتوكّل عليه.

وَدّع عصفور زوجته وهو واثق أنه لن يعود إليها سالمًا هذه المرّة. وعندما وصل إلى السلطان، وجده يضمّ يديه فوق ملابسه، وواحد من المنجمين يقول: في يدك أيها السلطان زهر ريحان، ويقول آخر: بل ورق شجر أخضر. وقال ثالث: بل ثمار ليمون. وأخذ كلّ واحد يذكر شيئًا والسلطان يقول لكلّ واحدس منهمٍ: غير صحيح.. غير سليم...

ولم يبق إلاّ عصفور، جالسًا يفكّر في المأزق الذي أوقعته فيه امراته، فقال السلطان: لماذا لا تتكلّم يا شيخ عصفور؟ لقد جاء دورك. قال عصفور وكأنه يحدّث نفسه، وقد ازداد همّه بسبب ما دفعته إليه امرأته: وماذا أقول أيّها الملك؟ لولا جرادة ما وقع عصفور اليوم في يد السّلطان!!

هنا صاح الملك: ليس في العالم مثلك يا شيخ عصفور.. أنتَ سلطان الحكمة والمعرفة! وأخرج السلطان من يده الجرادة والعصفور، ثم قال: أعطوه ثلاثة آلاف دينار.

واستغرب المُنجّمون وقالوا: حقًا لا يوجد في الدنيا مثله قط.

انتشر خبر انتصار عصفور على منافسيه، لكن عصفورًا لم يسعد بهذا، بل ذهب إلى زوجته وقال: إنك ترفضين أن تغادري هذا البلد، وأنا أخشى أن ينكشف خداع الكذب والتّنجيم. لذلك إذا سأل عني أحد، قولي له إني مُتّ فيكفّ الناس عني وينسون أمري، ونعيش بما لدينا من ثروةٍ في أمان ونعيم. ولأول مرةٍ وافقته زوجته، فقد بدأت هي الأخرى تخشى ما يخبّئه المستقبل لهما.

انقطع عصفور عن زيارة السلطان، فأرسل يسأل عنه، فقالوا له: لقد مات عصفور منذ ثلاثة أيامٍ. وأسرع عصفور وزوجته ينتقلان إلى مسكنٍ بعيدٍ.

وحدث أن خرج السلطان متنكرًا ذات ليلة ليتعرّف إلى أحوال رعيته، وساقته الصّدفة إلى شاطئ النّهر، فاشتاق أن يأكل سمكًا ممّا يشويه الصيادون بعد صيده مباشرةً، فجلس على الشاطئ ينتظر خروج الصيادين بالصيد. وفجأة سمع السلطان رجلاً يجلس قريبًا منه يقول: يجب أن نسافر من هذا البلد يا جرادة. وسمع امرأة تجيب محدّثها: قريبًا ينساك الناس يا عصفور، فالكلّ يعتقد الآن أن المُنجّم عصفورًا قد مات.

عرف السّلطان أن هذا الشخص هو الشيخ عصفور، فطلب إلى بعض خدمه أن يتعقبوه ليعرفوا مكان بيته.

في اليوم التالي، ذهب السّلطان متخفيًا إلى بيت عصفور وطرق الباب، ففتح عصفور وهو لا يتوقّع أن يكون هناك مَن عرف بيته الجديد، وإذا به يُفاجَأ بمن يقول له: أين زوجة الشيخ عصفور؟

كاد عصفور ينكر ويقول إنّه لا يوجد في البيت أقارب للشيخ عصفور. إلاّ أن السلطان المُتخفّي أضاف: لقد أرسلنا السلطان لنقوم بواجب العزاء في وفاة زوجها، ولنقدّم لها مبلغًا من المال تستعين به على الحياة.

هنا خشي عصفور من شجار زوجته إذا صرف هؤلاء الذين جاءوا يعطونها مالاً، فأدخل الزائرين، وأسرع إلى زوجته يقص عليها الخبر.

تظاهرت الزوجة بالحزن، وخرجت تستقبل الزائرين ودموعها تتساقط من عينيها، لكنّها فوجئت بالزائر يسأل: إذا كان الشيخ عصفور قد مات، فمن الذي فتح الباب؟

وسكتت المرأة، فقد أحست أن السؤال ستتلوه أسئلة أخرى!

وعندما لاحظ السلطان أن الزوجة سكتت، أسرع يلقي سؤاله الثاني: أيتها المرأة.. أجيبي عن سؤالي وقولي الصّدق. أليس الشيخ عصفور هو الذي فتح لنا الباب؟

أدركت المرأة أنّ كل الخطط التي وضعتها مع زوجها قد انهارت، فأسرعت تخرج من الغرفة، وقد اعتزمت أن تهرب مع زوجها من باب المنزل الخلفي.

ارتفعت ضحكات السلطان ووقف ينادي: يا شيخ عصفور... أنا السلطان... أعطيك الأمان!

عندئذ عرف الشيخ عصفور صوت السلطان، واطمأنّ قلبه عندما سمعه يعطيه الأمان، فأمسك بيد زوجته وعاد إلى حيث يجلس السلطان.

ضحك السلطان مرة ثانية وسأله: لماذا فعلت هذا يا شيخ عصفور؟ لماذا أذعت خبر موتك؟

قال عصفور: يا مولاي، سأقول لك الحقيقة... التنجيم كله كذب وادّعاء، وزوجتي هي التي دفعتني إلى أن أصبح منجّمًا، وقد خدمتني الصدفة أحيانًا والحيلة في أحيانٍ أخرى. لكنّي رفضت أن أستمر في هذا الدجل والعبث.

عندئذ انطلق السلطان يضحك ويقهقه وقال: أنتَ تستحق على صراحتك، مكافأة أكبر من كل ما أخذته مقابل تظاهرك بمعرفة المستقبل والغيب. وأمر له بخمسة آلاف دينارٍ.

ومنذ ذلك اليوم، أصبح عصفور نديمًا للسلطان، يحكي له أطرف النوادر والنكات، ويسلّيه بالقصص والحكايات، بعد أن كفّ عن التّنجيم والإدعاءات..

القصة التالية - العصفورة البيضاء

[next]

قصة العصفورة البيضاء
قصة العصفورة البيضاء
قصة العصفورة البيضاء
يُروَى أنّ عصفورةً بيضاء بَنَت عشّها في شجرةٍ خضراء مزهرةٍ عند سفح أحد الجبال، حيث الجداول الرّقراقة وحقول العشب والرّوابي المُغطّاة ببُسُطٍ خضراء طيلة أيّام الرّبيع.

وكانت هذه العصفورة تطير من مكانٍ إلى مكانٍ، وتجمع لعشّها خيوط صوف المراعي والقش الرّقيق، وتمرّ ببيوت القرية الهادئة هناك، فتجمع منها ما سيجعل من عشّها بيتًا دافئًا لفراخها التي ستطير بعد زمنٍ لتملأ جوّ هذا السفح أغاني حلوة، وزقزقات تتناغم مع ألحان الجدول الرّقيقة.

بَنَت العصفورة البيضاء عشها الدافئ، ثم وضعت فيه بيضها، وراحت تضمّه فتراتٍ من النّهار طويلة، بينما تحلم بالفراخ وكيف سيكون لها مجموعة من العصافير ترافقها في أوّل طيرانها إلى الحقول القريبة والشجر المُثمر والمياه المُنسابة حتّى يشتدّ فيها الرّيش فتنطلق من بُعدٍ كما تنطلق كل العصافير بعيدةً عن أَعيُن الصّيادين.

وكان في جوار الشّجرة، التي بَنَت العصفورة البيضاء عشّها فيها، كوخ صغير يعيش فيه فلاّح وحيد، غالبًا ما كانت تأكل من بين يديه كسرات الخبز وتلتقط من حقله الصّغير حبوب القمح.

وفي ليلةٍ من الليالي، بينما كان الفلاّح نائمًا، سمعت العصفورة عواء ذئب راح يقترب، وكلّما أحسست باقتراب صوته لَملَمت جناحيها على بيضها ودبّ فيها الذعر من هذا الذئب الشرس. وفكّرت أن تنقل عشّها وبيضها إلى شجرةٍ ثانيةٍ، إلاّ أنّها وجدت أنّ ذلك مستحيل، وسيؤدّي ذلك إلى نهاية كلّ شيء.

وفي هذه الأثناء، كان الذّئب يقترب من الكوخ ، فخافت العصفورة على الفلاّح، فأسبلت جناحيها وطارت إلى شبّاك الكوخ، فوجدت الفلاّح يغطّ في النوم، فطارت من الشّباك حتى حطّت على وسادته، ثم راحت ترفرف بجناحيها فوق جبينه، فأفاق.

فجأةً، سمع صوت الذئب، فعلم أن العصفورة جاءت تنبّهه على الخطر المُداهم.

أمّا العصفورة فغادرت إلى عشّها وراحت تراقب الكوخ بخوفٍ. وجمع الفلاح المسكين نفسه، وأسلم رجليه في طريقٍ تبعده عن الذئب.

دخل الذئب الكوخ، فلم يجد إلاّ كسرات خبز وحبّاتٍ من الزيتون، وهرّة قابعة في زاويةٍ معتمةٍ، ما لبثت أن قفزت من الشباك واختفت.

أمضى الذئب ليلته في الكوخ. وعندما أشرقت الشمس، وبينما هو خارج من باب الكوخ، شاهد العصفورة مصادفةً تحوم فوق الشجرة، فالتفت يستطلع ما في الشجرة، فرأى العش والعصفورة قد حضنت فيه بيضها. وبسرعةٍ كالبرق، قفز على الشّجرة ووصل إلى العش وضربه بيده، فوقع البيض تحت الشجرة بينما كانت العصفورة تحوم مذعورةً باكيةً تحاول إبعاد الذئب عن بيضها.

ونزل الذئب عن الشجرة بسرعةٍ، ووصل إلى البيض وأكل بِنَهَم الجائع، فطارت العصفورة باكيةً وقالت له: "كيف تأكل بيضي أيّها الذئب؟"

فقال: "إنّني جائع، ولا أجد ما آكله إلاّ هذا البيض". وحاول أن يضربها بيده، إلاّ أنّها طارت مسرعةً وحطّت في مكانٍ بعيدٍ، وراحت تبكي بيضها وتندب أحلامها وترى كيف تحوّلت الدنيا في نظرها من فرحٍ إلى حزنٍ.

مرّت الأيام والعصفورة حزينة، والذئب يلاحق فريسته كلّ يوم ويجلبها إلى الكوخ ليأكلها. أمّا الفلاّح فقد رأته العصفورة في مكانٍ بعيدٍ، وقد بنى كوخًا جديدًا. ففرحت لأنّه لم يقع فريسة الذّئب الملعون.

جاء الشّتاء، وكانت الأشجار قد عُرّيت من أوراقها، وراح الثّلج يُجلّل الأرض بوشاحٍ أبيض جميلٍ، واضطرّ الذئب أن يبقى في الكوخ لا يبرحه إلاّ قليلاً لشدّة البرد.

وفي يومٍ مُشمسٍ، طارت العصفورة وراحت تشدّ بجناحيها صعدًا حتّى وصلت إلى قمة الجبل. وهناك نظرت نحو السفح، فرأت الكوخ وهو مُكلّل بالثلج، والشّجرة عارية، فتذكّرت بيضها وراحت تبكي.

وتساقط من عين العصفورة دمعةٌ كبيرةٌ حطّت على حبّة ثلجٍ، فتدحرجت حبّة ثلج على حبّة ثانيةٍ، ثم تدحرجتا معًا على حبةٍ ثالثةٍ،... وهكذا دواليك، حتّى شكّلت حبات الثلج كرةً بيضاء صغيرةً، راحت تتدحرج نحو السّفح. وكانت كلّما تدحرجت كبرت، والعصفورة فوق، تراقبها.

ازدادت سرعة الكرة، وكبرت كثيرًا حتّى أصبحت كأنّها صخرةً كبيرةً. وفجأةً انقضّت كرة الثلج الكبيرة على الكوخ، وكان الذئب بداخله، فمات.

وهكذا انتقمت الأقدار للعصفورة البيضاء من الذّئب المُفترس. وطارت العصفورة فرحةً إلى الفلاّح، وأخبرته بما حدث للذّئب، وكيف تحوّلت قطرة الدّمع إلى كرة ثلجٍ كبيرةٍ. ففرح الفلاّح بذلك، وعاد يبني كوخه مُجدّدًا.

أمّا هي فعادت إلى بناء العش، حيث سيكون لها هذه المرّة فراخ بعيدة عن الذئب المُفترس.


القصة التالية - قصة المغفل والحمار
[next]

قصة المغفّل وحماره

كان لرجل مغفّل اسمه فؤاد حمار، وكان يقوده في السوق. فقال رجل لرفيق له: يمكنني أن آخذ هذا الحمار، وهذا المغفّل لا يعلم.

قال: كيف ومقوده بيده؟
قصة المغفّل وحماره
قصة المغفّل وحماره
فتقدم الرجل وحل المقود ووضعه في رأسه، وأشار إلى رفيقه أن يأخذ الحمار ويذهب به. فأخذه ومضى. ومشى ذلك الرجل خلف المغفّل والمقود في رأسه ثم وقف. فجذبه فلم يمش. فالتفت فؤاد المغفّل فرآه وقال: أين الحمار؟
فقال: أنا هو.
صاح فؤاد المغفل: وكيف هذا؟

قال: كنت عاقا لوالدتي فمسختني حمارا. ولي هذه المدة في خدمتك. والآن وقد رضيت عني أمي فعدت آدميا.

فقال المغفل: يا الهي كيف كنت استخدمك وأنت آدمي؟! اذهب في حفظ الله.

فذهب.
مضى فؤاد إلى بيته فقص على زوجته القصة، فقالت له : اذهب غدا إلى السوق واشتر حمارا آخر.
خرج المغفل إلى السوق فوجد حماره معروضا للبيع فتقدم منه وجعل فمه في أذن الحمار وقال: يا أحمق ! عدت إلى عقوق أمك؟!


القصة التالية - قصة النمر والسلحفاة
[next]



قصة النمر والسلحفاة 
قصة النمر والسلحفاة
قصة النمر والسلحفاة 

كانت الغابة في ذلك اليوم خضراء ربيعية، والشمس تشرق من وراء السفوح الندية، والعصافير في زقزقة ترافقها ألحان السواقي، والغصون الخضراء التي يهب النسيم عليها يترك فيها حفيفا للورق الممتد الظلّ على بساط الغابة الطري الأخضر.

خرجت الحيوانات تفتش عن رزقها في كل أنحاء الغابة وتوزعت جماعات ووحدانا، مضيفة إلى الطبيعة الهادئة حركة للحياة، ترافق قرص الشمس الذي بدأ يشيع الدفء في أرجاء الغابة.

وبينما الحيوانات في هدوء وأمان والطبيعة تكمل نهوضها الجميل من العتمة، انتشر في الغابة صوت أخاف جميع الحيوانات، فراحت تركض مذعورة ذات اليمين وذات الشمال تاركة بحثها عن رزقها. وكان الصوت يقترب، وكانت الحيوانات تزداد رعبا.

فجأة ظهر نمر مرقّط الجلد، ممتد الجسم، أغضبه أنه لم يجد منذ الفجر فريسة ينقضّ عليها ليفترسها. وبينما كان يقفز من مكان إلى آخر وجد فجأة سلحفاة صغيرة لم تستطع أن تصل إلى مخبئها لبطئها في السير ولثقل ما تحمل على ظهرها.. وقف النمر أمامها فانقبضت خائفة. فقال لها: " أليس في الغابة حيوان آخر يشبع رغبتي في الطعام؟ "

فقالت السلحفاة: "ها أنت تراني يا سيدي النمر وحيدة لا أستطيع الوصول إلى أيّ مكان بالسرعة التي يصل بها بقية الحيوانات."

فزجرها النمر قائلا: "أسكتي أيتها الحشرة‍‍. إنني منذ الفجر أفتّش عن أرنب أو غزال أو بقرة أو ثعلب أو ديك، فلم أجد أيّ حيوان. وها أنا قد دبّ فيّ الجوع وسآكلك رغم أنك لن تشبعي رغبتي في متابعة التفتيش عن فريسة.

قالت السلحفاة باكية: " ألا تراني صغيرة جدا يا سيدي النمر؟ إنني لا أغنيك عن فريسة كبيرة. ولو أنّك أكلتني لما شعرت بأي شبع وستظل معدتك خاوية وسيظلّ نهمك يلحّ عليك لتفترس ما هو أكبر مني."

فقال النمر غاضبا: " لا تحاولي إقناعي أيتها السلحفاة. فأنا جائع ولن يمنعني شيء عن افتراسك."

قالت السلحفاة وقد علمت أنها لا محالة هالكة: "إذا أردت افتراسي يا سيدي، فكل ما أرجوه أن أشبعك قليلا لأني أخاف عليك من الجوع، وأنت سيد هذه الغابة، وعلى كل الحيوانات أن تقوم على خدمتك. ولكن لي رجاء عندك."

"ما هو هذا الرجاء ؟ " قال النمر.

فقالت السلحفاة: " لا تعذّبني قبل أن تأكلني، أرجوك ."

فقال النمر:" كيف تختارين موتك أيتها السلحفاة؟"

فقالت: باستطاعتك أن تدوسني بقدميك أو أن ترميني من مكان إلى مكان أو أن تضعني فوق أعلى غصن في هذا الشجر، أو أن تضربني بجذع شجرة السنديان الضخمة، ولكن كل ما أطلبه منك هو ألا ترميني في هذا الماء الجاري."

فقال النمر: "لا تريدين أن أرميك في النهر" ؟.

" نعم، أرجوك"، قالت السلحفاة.

وهنا قهقه النمر، فارتجت أنحاء الغابة وارتعدت فرائص الحيوانات المختبئة وقال للسلحفاة: " لن أفعل بك إلا ما يخيفك أيتها الحشرة".

راحت السلحفاة تبكي, غير أن بكائها كان تصنّعا واحتيالا. كانت تتمنّى من أعماق أعماقها أن يرميها في النهر. وظهر عليها أنها حزينة ومرتاعة، فازدادت قهقهة النمر. ثمّ أخذ السلحفاة ورمى بها في النهر.

غرقت السلحفاة برهة ثم عامت فوق الماء وقالت للنمر: "ما أغباك أيها النمر! لو فعلت بي غير هذا لكنت قتلت. لكن الماء وحده هو الذي ينقذني لأني أجيد السباحة".

انتشر غضب النمر في شاربيه وجلده وجسمه وقوائمه وأرسل صوتا أخاف السلحفاة رغم وجودها في مكان لا يستطيع النمر أن يصل إليها وهي فيه. ثمّ قال: "أخرجي من الماء أيتها السلحفاة"!

فقالت السلحفاة وهي تضحك: " لن أخرج أيها النمر".

"أخرجي"! قال لها بصوت أقوى.

فضحكت ثانية وقالت: " لماذا لا تأتي وتأخذني من هذا الماء أيها المتجبّر؟ بأي حق يجوز لك أن تفترسني؟ ألأنك رأيتني صغيرة جدا فظننت أنك بكبر حجمك وقوة جسدك تستطيع أن تفعل ما تريد؟ ألا تعلم أن لي عقلا رغم صغر حجمي أستطيع أن أنقذ نفسي بواسطته من افتراسك لي؟ كفى تجبّرا أيها النمر واذهب من هنا".

شعر النمر كأنه يتمزّق. فلم يسبق له أن سمع من أي حيوان في الغابة كلاما مثل هذا الكلام الذي تقوله السلحفاة. ثمّ قال: " إنني أنذرك أيها السلحفاة! إما أن تخرجي وإما أن أقفز في الماء وعندها ستندمين".

" لن أندم أيها النمر"، أجابت السلحفاة.

جمع النمر قواه وقفز في الماء وإذا به يقع في غمرة الموج ويحاول الخلاص، إلاّ أنه كان يغرق في الماء بينما كانت السلحفاة غارقة في الضحك ....

القصة التالية - قصة ما أرخص الجمل
[next]

قصة ما أرخص الجمل
قصة ما أرخص الجمل
قصة ما أرخص الجمل


كان لمزارع جمل يحبه كثيرا، ويعتمد عليه فى الانتقال بين القريه والمدينه كل يوم ليبيع حاصلات مزرعته. فكان يحمل عليه الخضر والفاكهه ويبيعها فى سوق المدينة، ويشترى حاجياته ولوازم بيته ويحملها على جمله، ثم يركبه عائدا إلى القرية حيث زوجته وأولاده.

حمل عبد الوهاب جمله بطيخا وشماما، وتوجه إلى سوق المدينة، وباع حمله، وأراد أن يشتري أرزا وسكرا. دخل عبد الوهاب البقالة واشترى ما يريد من طلبات، ولما خرج لم يجد جمله وأخذ يصيح:أين جملى؟ ضاع جملي! يا مصيبتي! أين انت يا جملي الغالي؟!.

نادى عبد الوهاب الشرطي، وطلب منه أن يبحث له عن الجمل المفقود، ويقبض على اللصوص الذين سرقوه.

بحث الشرطي معه في كل مكان ولم يجده، قال الشرطي:لا تيأس؛ فربما سار هنا أو هناك، وضل الطريق، واصل البحث وستجده - إن شاء الله.

بحث عبد الوهاب عن جمله فى كل مكان، لكن بلا فائدة. وبعد بحث طويل، وتعب كثير، أقسم عبد الوهاب أمام من فى السوق أن يبيع الجمل بدينار واحد إذا هوعثر عليه.

تعجب الناس من عبد الوهاب الذي أعلن امامهم هذا السعر الرخيص لجمله الغالي.

وبينما كان عبد الوهاب يدور فى السوق فوجئ بجمله أمامه يسير وحيدا! فرح عبد الوهاب بالعثور على جمله، وجذبه من حبله، وربت هلى رقبته، لكنه تذكر القسم، فتضايق، وقال لنفسه:

ليتني ما تسرعت وحلفت أمام الناس! ماذا أفعل الآن ؟.

فكر عبد الوهاب قليلا، وأحضر قطة صغيرة، ووضع فى رقبتها حبلا، ثم ربط القطة فى الجمل، ووقف وسط السوق ينادى بأعلى صوته:من يشترى الجمل بدينارد والقطة بألف دينار.

تجمع الناس حول عبد الوهاب من كل مكان، وهم لا يصدقون ما يسمعون. وصاح عبد الوهاب مره أخرى:أيها الناس، أبيع الجمل بدينار، وأبيع القطة بألف دينار! لكن لا أبيعهما إلأ معا. نعم، لا أبيع الجمل والقطة إلا معا!.

ضحك الناس، وفهموا أن عبد الوهاب لا يريد أن يبيع جمله. انصرف الناس عنه وهم يقولون: ما أرخص الجمل لولا القطة !.

ما أرخص الجمل لولا الهرة !.

ركب عبد الوهاب جمله، وعاد إلى قريته.

القصة التالية - قصة الجمل والاسد والذئب والخراف
[next]

قصة الجمل والاسد والذئب والخراف
قصة الجمل والاسد والذئب والخراف
قصة الجمل والاسد والذئب والخراف

كان أسد في الغابة مُجاورًا لأحد الطّرق المسلوكة. وكان له أصحاب ثلاثة: ذئب وغراب وابن آوى. ومرّ رعاة بذلك الطّريق ومعهم جِمال. فتأخّر منها جمل ودخل الغابة حتّى وصل إلى الأسد. فقال له الأسد: مِن أين جئتَ؟ فأخبره. قال: فيما حاجتك؟ قال: ما يأمرني به الملك. قال: تقيم عندنا في السعة والأمن والخصب. فبقي عنده زمنًا طويلاً.

مضى الأسد في أحد الأيّام لطلب الصّيد، فلقي فيلاً عظيمًا، فقاتله قتالاً شديدًا وأفلت منه وقد أوهنته الجراح وأضعفته. ولم يكد يصل إلى مكانه حتّى جلس لا يستطيع حراكًا، وحُرِمَ طلب الصّيد.

بقي الذّئب والغراب وابن آوى أيّامًا لا يجدون طعامًا لأنهم كانوا يأكلون من فضلات الأسد. فجاعوا وأصابهم الهزال. وقال لهم الأسد: لقد جعتم وصرتم بحاجةٍ إلى ما تأكلون.

فقالوا له: لا تهمّنا أنفسنا لكننا نرى الملك على هذه الحال، ونتمنّى أن يجد ما يأكله.

خرج الذّئب والغراب وابن آوى من عند الأسد وائتمروا في ما بينهم، وقالوا: ما لنا ولآكل العشب هذا الذي ليس شأنه من شأننا، ولا رأيه من رأينا! ألا نُزيّن للأسد أمره فيأكله ويطعمنا من لحمه؟

قال ابن آوى: لا نستطيع أن نذكر هذا للأسد.. لأنه قد أمّن الجمل على نفسه.

قال الغراب: أنّا أكفيكم الأسد.

ودخل على الأسد، فسأله: هل اصطدتُم شيئًا؟ قال الغراب: إنّما يصطاد مَن يسعى ويبصر. ونحن لا سعي لنا ولا بصر من الجوع. لكن قد وُفّقنا لرأيٍ اجتمعنا عليه، فإنّ وافقنا الملك فنحن له مُجيبون.
قال الأسد: وما ذاك؟
قال الغراب: هذا الجمل آكل العشب الذي يعيش بيننا من غير منفعةٍ لنا منه، ولا عمل له تعود علينا منه مصلحة..

فلمّا سمع الأسد ذلك غضب وقال: ما أبعدك عن الوفاء والرّحمة! لم يكن يصحّ منك أن تقول هذا مع أنّك تعلم أنّي أمّنت الجمل وجعلت له من ذمّتي، ولن أغدر به!

قال الغراب: إنّي أعرف ما يقول الملك. ولكن النّفس الواحدة يُفتدى بها أهل البيت. وأهل البيت يفتدى بهم القبيلة. والقبيلة يفتدى بها أهل المصر. وأهل المصر فدى الملك. وقد نَزِلَت بالملك حاجة، وأنا أجعل له من ذمّته مخرجًا.. فنحن سنحتال على الجمل بحيلةٍ، لنا وللملك فيها صلاح وظفر. فسكت الأسد عن جواب الغراب عند هذا الخطاب.

فلمّا عرف الغراب إقرار الأسد أتى صاحبيه، فقال لهما: قد كلّمت الأسد في أكل الجمل، على أن نجتمع نحن والجمل لدى حضرته. فنذكر ما أصابه ونتوجّع له اهتمامًا منّا بأمره، ويعرض كلّ واحد منا نفسه، فيردّه الآخران، ويُسفّهُ كلّ منهما رأيه، ويبين الضّرر في أكله. فإذا فعلنا ذلك سَلِمنا ورضي الأسد عنّا.

ففعلوا ذلك، وتقدّموا إلى الأسد، فقال الغُراب: قد احتجتَ أيها الملك إلى ما يُقويّك، ونحن أحقّ أن نهب أنفسنا لك، فإنا لك نعيش. فإذا هلكت فليس لأحدٍ بقاء بعدك، ولا لنا في الحياة من خيرةٍ. فليأكلني الملك، فأنا راض بذلك! فأجابه الذّئب وابن آوى: أسكت، فليس خير للملك في أكلك، وليس فيك شبع. قال ابن آوى: لكن أنا أشبع الملك. فليأكلني، فأنا راضٍ بذلك! فردّ عليه الذّئب والغراب بقولهما: إنّك منتن قذرٌ.

قال الذّئب: أنا لستُ كذلك، فليأكلني الملك، فأنا راضٍ، مُخلص النّية والضمير. فاعترضه الغراب وابن آوى وقالا: قد قالت الأطباء: مَن أراد أن يقتل نفسه فليأكل لحم ذئب.

فظن الجمل أنّه إذا عرض نفسه على الأكل، التمسوا له عذرًا كما التمس بعضهم لبعضٍ، فيسلم، ويرضى الأسد عنه.

فقال: لكن أنا فيّ للملك شبع وريّ، ولحمي طيّب هنيّ، وبطني نظيف، فليأكلني الملك ويطعم أصحابه وحشمه. فقد رضيتُ بهذا عن طيب خاطر.

فقال الذئب والغراب وابن آوى: لقد صدق الجمل وتكرّم، وقال ما درى!

ثم إنّهم وَثَبوا عليه ومزّقوه.


القصة التالية - قصة الحصان الطائر
[next]



قصة الحصان الطّائر
قصة الحصان الطّائر
قصة الحصان الطّائر

كان ذلك الصّباح المُشرق من أيّام الربيع الجميلة، يوم عيد ميلاد الأمير فيروز، ابن حاكم البلاد وسلطانها.

جلس السلطان ياقوت، والد الأمير، في قاعة القصر، لإستقبال وفود المُهنّئين القادمين من كلّ أنحاء مملكته. ووقف عن يساره ابنه الأمير فيروز وجلست ابنته الأميرة زُمرّدة عن يمينه. وكان أركان الدّولة وأغنياؤها وكبار التّجار يجلسون في القاعة وهم يرتدون أجمل الثياب، ورائحة العطور الزّكية تفوح في الجو، بعد أن ارتفعت الزينات وأقواس الزهور فوق الأبواب وفي مختلف أرجاء القصر وحدائقه.

كانت وفود المُهنّئين تتوافد من البلاد والقرى إلى القصر لتهنّئه بهذه المناسبة السعيدة. وكان كل وفدٍ يحمل هديةً ثمينةً ليقدمها إلى سيّد القصر ياقوت، وابنه الأمير الشاب فيروز. فهذا تاجر يحمل بعض الجواهر الغالية، وذلك مُزارع يقدّم أطيب أنواع الفاكهة والثمار، وثالثٌ يجرّ فَرَسه الأصيلة لتكون في عداد خيل السلطان، ورابع يبدو عليه أنّه فقير يحمل صُرّةً تحتوي على هديةٍ متواضعةٍ.

وكان كلّ قادمٍ يدخل القاعة فيلقي التّحية على السّلطان ثم على الحاضرين، ويجلس في جانبٍ من القاعة. وكان السّلطان يردّ التحية مُبتسمًا ويسأل كلّ شخصٍ عن أحواله وأحوال قريته وأقربائه.

وبعد قليلٍ، دخل القاعة شيخٌ عجوزٌ مُقوّس الظّهر ذو هيئةٍ غريبةٍ وثيابٍ مُزركشة الألوان، دعت الجميع إلى الإلتفاف إليه. فإذا هو يجرّ وراءه حصانًا أسود اللّون فاحمًا، أصفر العرف والذّيل، يتحرّك تحرّكًا آليًا، ويقفز قفزاتٍ غريبةً. وكان رأسه يتحرّك إلى أعلى حينًا وإلى أسفل حينًا آخر، ويفتح فمه ويغلقه على شكلٍ غير معروفٍ لدى سائر الخيل.

انحنى الشّيخ بأدبٍ بين يديّ السّلطان الذي ما لبث أن توقّف عن تدخين نارجيلته، وحدّق في هذا القادم الغريب.

قال الشيخ: أيّها الحاكم العادل! لقد فكّرتُ كثيرًا في اختيار هديةٍ ثمينةٍ أقدّمها إلى الأمير فيروز في عيد ميلاده، فوَجَدتُ أنّ عظماء البلاد قد قدّموا أغلى الجواهر وأثمن الهدايا، وأن سائر الناس قدّموا أحسن ما عندهم من ثيابٍ أو ثمارٍ أو طيورٍ أو غزلان، فلم أجد خيرًا من أن أقدّم لمولاي السّلطان هذا الحصان العجيب. إنّه ليس كسائر الأحصنة. فهو يستطيع أن يسابق الرّيح وأن يرتفع في الجو ويطير في الهواء، فوق السهول والجبال والأنهار والبحار. إنّه لا يأكل ولا يشرب، ومع ذلك فهو قويّ لا يتعب ولا يضعف أبدًا.

ولهذا الحصان، أيّها السّلطان العظيم، سرّ لا يعرفه أحد. وستعمّ شهرتك الآفاق، بين الملوك، عندما أكشف لك عن هذا السر. وليس لي عندك إلاّ طلب واحد، هو أن توافق يا سيّدي السّلطان على أن أعمل في خدمتك في هذا القصر، فأكون وزيرًا لشؤون هذا الحصان.

وما إن سمع ابن السلطان، الأمير فيروز، هذا الكلام حتّى قفز بسرعةٍ إلى ظهر الحصان الذي انطلق فورًا إلى الخارج ثم إلى أعلى. وطار بالأمير فوق القصر واتّجه إلى الفضاء. وكان عباءة الأمير الحمراء الفضفاضة كأنّها مظلةٌ جميلةٌ فوقهما.

أخذ الأمير ينظر حوله وتحته فيرى الجبال والسهول، والأودية تمرّ تباعًا. وكان كلّ منظرٍ أجمل من سابقه. فهُنا نهرٌ تجري مياهه بسرعةٍ وتتلاطم أمواجه تحت أشعّة الشمس البرّاقة. وهناك أشجار ومزارع بألوانها الخضراء الزاهية، وهناك بيوت متفرّقة وقصور فخمة تظهر وتغيب تحت السّحاب المتحرّك.

وبعد قليلٍ انقلب سرور الأمير إلى تفكيرٍ ثمّ إلى اضطرابٍ، وتساءل في نفسه: كيف أستطيع العودة إلى الأرض؟ إنّ العجوز لم يطلعني على سرّ الحصان، وكيف يمكنني أن آمره بالهبوط.

أخذ الأمير يجسّ جسم الحصان، فيمرّ يديه على ظهره وعنقه، وشعره وكتفيه، من دون أن يظهر له شيءٌ، ومن دون أن يتغيّر اتّجاه الحصان وسرعته. وأخذ قَلَق الأمير يتزايد ويتعاظم: هل يظلّ في الجو وقتًا طويلاً من دون توقف، ومن دون طعامٍ وشراب؟

وكاد يتحوّل قلقه إلى غضبٍ شديدٍ، وكان يلعن السّاعة التي قبل فيها هدية العجوز.. ولكن يده لمست شيئًا بارزًا بين أذنيّ الحصان. إنّه أشبه بالمسمار الصّغير المغروس في رأس الحصان. فعبث الأمير بالمسمار وحرّكه. وما أعجبَ ما حدث! فقد عثر الأمير على الشّيء الذّي كان يبحث عنه. أخذ الحصان بالتّمهل في الفضاء، وبعد قليلٍ هبط شيئًا فشيئًا، حتى استقرّ على أرضٍ قريبةٍ من قصرٍ جميلٍ له قباب كثيرة، يدلّ على أنّ أصحابه من الأمراء أو كبار الأغنياء.

كان القصر الفخم لوالي المدينة، وكانت ابنةُ الوالي الأميرة بدُوُر، تنظر من نافذة غرفتها عندما وقع بصرها على منظرٍ عجيبٍ لم تر في حياتها مثله. رأت حصانًا أسود يطيرُ في الجوّ، وعلى ظهره فارس غريب ويهبط في مكانٍ قريبٍ من غرفتها. ففزعت وصرخت بأعلى صوتها: "النّجدة.. النّجدة.. النّجدة..!"

لم تستطع أن تقول شيئًا آخر. فقد انعقد لسانها من الخوف.. ولكنّ رجال حرس القصر كانوا قد سمعوا استغاثة الأميرة، فأسرعوا إلى نجدتها ورأوا الفارس الغريب وحصانه الأسود في حديقة القصر. عندئذٍ أسرعوا إلى أسلحتهم فحمل كلّ منهم سيفه أو رمحه، وامتطوا خيولهم واتّجهوا نحو الفارس الغريب.

شعر الأمير بالخطر، فقفز إلى ظهر حصانه وأسرع بالخروج من حديقة القصر. فتبعه رجال الحرس على خيولهم وهم يطلبون إليه الوقوف والإستسلام.

ولكنّ الأمير ظلّ يجري بحصانه من دون أن يردّ عليهم، كما ظلّ رجال الحرس يلاحقونه حتّى تجاوزوا أسوار المدينة وأصبحوا خارجها.

عندئذٍ اطمأنّ الأمير فيروز أنّ جميع الحرس أصبحوا بعيدين عن القصر، وأنّ الفتاة التي استغاثَت بالحرس أصبحت وحيدةً في غرفتها من غير حراسةٍ. فأسرع عائدًا إلى القصر على ظهر حصانه الذّي ارتفع في الجو، وما لبث أن حطّ على سطح الغرفة التي انطلق منها صوت الفتاة.

قال الأمير فيروز في نفسه: لا بُدّ أن تكون هذه الفتاة ذات مكانةٍ كبيرةٍ لكي يحرسها عددٌ كبيرٌ من الفرسان الأشدّاء ويحافظون عليها في هذا القصر الكبير.

نزل الأمير فيروز عن حصانه ودخل غرفة الأميرة بدُوُر التي فوجئت وحاولت أن تصرخ.

ولكنّ الأمير فيروز أسرع وخاطبها بأدبٍ وتهذيبٍ، وعرّفها بنفسه: إنّه فيروز، ابن سلطان البلاد. وروى لها قصّته كاملةً، وكيف أن عجوزًا أهداه في عيد ميلاده حصانًا عجيبًا يطيرُ في الجو، كما يجري على الأرض. وحدّثها كيف أعجبه صوتها عندما استغاثت برجال الحرس، وعزم على أن يعود إليها ليعرف مَن هي صاحبة ذلك الصّوت الجميل.

اطمأنّت الأميرة بدُوُر إلى الأمير فيروز، وأُعجِبَت بقصّته الخارقة. وأحبّت صدقه وأدبه وشجاعته. وأسرعت إلى أبيها الوالي، الذي كان في جناحٍ آخرٍ من القصر، وقالت له: سيّدي الوالد، أُقدّم إليك الأمير فيروز، ابن سلطان البلاد.

رحّب الوالي بالأمير وأحسَنَ استقباله، ورغب إليه أن يظلّ في ضيافته عدّة أيّامٍ.

وعندما عَلِم أبناء المدينة بوجود الأمير فيروز في ضيافة الوالي، أقبلوا من كلّ مكانٍ يرحّبون به، وأقاموا الزينات على الأبواب، وعلى مداخل الطّرق. وتجمّعوا حلقاتٍ حلقاتٍ يرقصون ويغنّون الأغاني الشعبية التي ترحّب بالضيف. وأقام الوالي مأدبةً كبيرةً على شرف الأمير الشّاب، حضرها تجار المدينة وشبانها. وكانوا كلّهم يتحدّثون عن شجاعة الأمير وحصانه العجيب.

وفي هذه الأيّام التي قضاها الأمير فيروز في ضيافة الوالي، ازدادت معرفته بالأميرة بدُوُر، وبأخلاقها الرّفيعة وحديثها الرقيق، وازداد إعجابه بها وأحبّها حُبًا شديدًا، وطلب إلى والدها أن يوافق على زواجها منه. فرحّب الوالي بذلك مسرورًا مُبتهجًا.

وبعد حفلة الزفاف الرائعة، تهيّأ العروسان للسّفر، واستأذنا الوالي الذي وقف يودّعهما وهما يمتطيان الحصان الأسود. وما هي إلاّ دقائق حتى ارتفع الحصان في الجو، متمهّلاً أوّل الأمر ثم انطلق مسرعًا بين دهشة الناس واستغرابهم. وما لبث أن غاب الحصان والعروسان عن الأنظار.
وبعد أن اجتاز الأميران العروسان الجبال والسهول، وحلّقا فوق القرى والأنهار، هبطا في حديقة قصر السلطان ياقوت، والد الأميرر فيروز. ولمّا علم السّلطان بعودة ابنه مع عروسه أقيمت الأفراح والحفلات في عاصمة البلاد. وأقبل الناس يهنّئون السلطان ياقوت والأمير فيروز، ويستمعون إلى قصّة حصانه الطائر، وكيف تعرّف إلى عروسه الأميرة بدور.

كان كلّ النّاس فرحين بعودة الأمير وبزفافه، ما عدا واحدًا. لم يشارك في فرح العاصمة وأبنائها.. ذلك هو العجوز صاحب الحصان الطائر. وكان قد قضى أيّامه طوال مدّة غياب الأمير فيروز عن القصر في ظلمة السجن.

كان السلطان ياقوت قد غضب غضبًا شديدًا عندما رأى ابنه الأمير يقفز على ظهر الحصان ويطير به ويغيب عن الأنظار. فطلب السلطان إلى العجوز أن يعيد الحصان والأمير إلى الأرض. ولكن العجوز قال إنّ سرّ قيادة الحصان موجود في مسمار بين أذنيه، ولا يمكنه أن يفعل شيئًا ما دام الحصان بعيدًا في الجو. فلم يكن من السّلطان إلا أن أمر بحبس العجوز إلى أن يعود الأمير سالمًا. وهدّده بالموت إذا أصيب الأمير بمكروهٍ.

دخل العجوز السجن حزينًا غاضبًا من أمرين: من السّجن الذي وُضِعَ فيه، ومن السّر الذي لا بُدّ أن يكون الأمير قد اهتدى إليه. وهو يريد أن يحتفظ به لنفسه، لكي يبقى وزيرًا في القصر لشؤون الطّائر!!

ولمّا عاد الأمير فيروز، ابتهج السلطان بعودة ابنه الحبيب مع عروسه وأفرج عن العجوز وأكرمه، وهنّأه على حصانه الأعجوبة. ولكن العجوز لم يكن راضيًا بعد أن عرف غيره سرّ الحصان. كما إنّه لم يكن يستطيع أن ينسى أيّام السّجن المُظلمة وآلامه الطويلة فيه. إنه كان يتوقّع أن يصبح وزيرًا مُكرّمًا، فأصبح سجينًا مُعذّبًا. لذلك عزم على أن يتخلّص من الحصان الذي سبّب له هذا العذاب.

أخذ العجوز يجمع أكوامًا من القش والعيدان اليابسة، ويضعها في وسط حديقة القصر، وأشعل فيها النار. ثم أخذ يتلو كلامًا غير مفهومٍ ويردّده مرةً بعد مرةٍ... فاستغرب الذين شاهدوا النّار تشتعل وتساءلوا ماذا يريد العجوز أن يفعل، بينما كان الحصان يتّجه لوحده نحو النّار ويدخل فيها، ويشتعل معها. وما لبث أن غاب الحصان في النّار ثم أصبح رمادًا بعد أن خمدت. وهنا هرب العجوز واختفى عن الأنظار. وحزن الجميع لإحتراق الحصان العجيب.

أمّا الأمير فيروز، فقد التفت إلى زوجته الأميرة بدور، وقال: إنني لن أحزن.. فقد أدّى الحصان مهمّته، وجعلني أعثر على أجمل كنزٍ رأيته في حياتي، هو زوجتي بدور. ولستُ في حاجةٍ إليه بعد الآن. فَسُرَّت الأميرة بدُوُر بكلام أميرها وأجابته بدلالٍ: نعم، إنّك لستَ بحاجةٍ إليه، لئلا تأتي بزوجةٍ أخرى!

القصة التالية - قصة الخروف روفو
[next]



قصة الخروف روفو 
قصة الخروف روفو
قصة الخروف روفو 


صوت روفو: ماء ماء! أمي. ما هذا الذي يقوله الرجل لزوجته؟

وما لك ولهذه الأشياء؟ هذه الأمور لا تعنيك ولا تعنيني، يا روفو.

ماء! ماء! أنت دائما تخذلينني... أنا أريد أن أعرف.

لا أعتقد انه من اللائق أن تعرف كل ما يقوله الناس وما يتحدثون به. هذه عادة سيئة ولا يصح أن تقع فيها يا بنيّ.

ولكنني أريد أن أعرف ..

للحقيقة يا بني، إني لا أعرف، فكيف يمكنني أن أخبرك؟ ثم إنه لا يهمني ولا يهمك ما يقول الناس, فلنهتمّ بشوؤننا.

أمي! أمي!! هل سمعت؟

ماذا؟

قالوا إن السماء ستمطر قططاً وأرانب.

من قال ذلك؟

سمعت ذلك في الدرب بينما كنت أسير صباحاً. سمعت شخصاً يتحدث إلى آخر ويقول ذلك.

لا أعتقد يا بني. ثم ليس كل شيء تسمعه صحيحاً، أتفهمني يا بني؟

لا أدري. أنا هكذا سمعت.

أنت يا روفو مشكلة المشاكل. فمتى نضع حدا لهذه المشاكل يا صغيري؟

واستمرت أم الخروف روفو تفكر في حالة ابنها. إنه مخلوق فضولي حشري، يريد أن يتدخل في كل شيء، سواء كان الأمر يعنيه أم لا. وفوق هذا، فهو يصدق كل ما يسمع وكل ما يقال. ابنك يا أبا روفو يجب أن نحل مشكلته. يجب أن نجد طريقة تجعله لا يتدخل في أمور سواه، وفي الوقت ذاته تجعله لا يصدق كل ما يسمعه.

ماء! أنا نبهته كثيراً ولم يمتثل، قال الأب.

التنبيه لا يكفي.

ماذا نفعل إذن؟

لست أدري. سأحاول أن أعالجه بطريقة أو بأخرى. المؤسف أنه بسيط لكن قلبه طيّب.

هذه حسنات الإنسان، ولكن يخشى أنه إذا كان على بساطة كبيرة أن يصبح أبله!

ابني أبله؟! لا لا . أنت مخطئة.

إذن دعه يكف عن التدخل في ما لا يعنيه واجعله لا يصدق كل ما يقال, بل يشغّل عقله.

الدنيا تعلّم يا زوجتي العزيزة.

لا، لا يجب أن نعالجه نحن!

كيف ؟

أعتقد أننا إذا حكينا له الحكايات المناسبة، استطعنا أن نجعله يدرك ويفهم ويعي.

إذا كان الأمر كذلك فهاتي ما عندك!

نادت الأم: روفو روفو .

نعم يا أمي!

يا خروفي الحبيب! قالت ضاحكة.

ماذا يضحكك يا أمي؟

سمعت الآن قصة أضحكتني وأريد أن أرويها لك!

قصة؟ .. عجّلي، عجّلي يا أمي، أنا أحب سماع القصص.

قالت: وصل مسافر في المساء مع حصانه إلى إحدى القرى في وقت كان البرد فيه قارصاً لا يحتمل.

نعم يا أمي .

دخل المسافر إلى مطعم القرية حيث تشتعل نار في الموقد، ولكنه لم يجد مكاناً له، وهو بحاجة ماسة إلى دفء النار، فقد جلس عدد من المزارعين حول الموقد، وراحوا يتبادلون الأحاديث في أجواء دافئة. حدّق المسافر إلى الحاضرين وقال في نفسه: لا أحد يتحرك أو يفسح لي مكاناً قرب النار. أنا بردان! أكاد أسقط من بردي. ثم قال لأحدهم: اسمع يا سيد! أين صاحب المطعم؟

نعم ماذا تريد؟ أنا صاحب المطعم.

مرحبا يا عم!

أهلاً,أهلاً وسهلاً! أهلا وسهلا!

هل لديك ما يؤكل يا معلم؟

آه... عندي.... طبخة فاصوليا، أنزلتها الآن عن النار، إنها من أشهى المآكل يا أخ.

حسنا. هل لك إذا سمحت يا صاحبي أن تسكب صحنا من الفاصوليا وتقدمه إلى حصاني المنتظر في الخارج؟ إنه جائع جدا.

ماذا تقول؟ ماذا تقول يا سيد؟

ألم تسمعني يا رجل؟

لم أفهم ما تقول.

قلت: هل لك إن سمحت يا صاحبي أن تصبّ لي صحنا ساخناً من الفاصوليا وتحمله إلى حصاني المنتظر في الخارج، فهو جائع جدا.

ضحك صاحب المطعم وقال: وهل يأكل الحصان فاصوليا؟

حصاني يأكلها. خذ الصحن سريعاً.

دع المزاح جانباً أيها المسافر الكريم، فلسنا بسطاء إلى هذا الحد.

قلت لك بوضوح إن حصاني يأكل الفاصوليا المطبوخة، ويأكل كل الأطعمة التي يأكلها الإنسان. قل لي كم تريد ثمن صحن الفاصوليا لأدفع لك الآن؟

ليس دفع الثمن هو ما يثيرني يا سيد، إنني أكرر سؤالي: أيأكل الحصان الفاصوليا؟ أم م...

خذ له الصحن وسترى إن كان سيأكله أم لا.

ملأ صاحب المطعم صحناً من الفاصولياً وحمله إلى الحصان، فنهض المزارعون ليروا كيف يأكل الحصان الفاصوليا.

فرح المسافر وضحك قائلاً: ما أسخف عقولهم!! الآن خلا لي الجو، وبالإمكان الآن أن آخذ مقعداً لي قرب النار وأدفأ.

ضحكت أم روفو وقالت: عاد صاحب المطعم بعد قليل والصحن بين يديه وهو يقول: يا سيد يا سيد. قضم الحصان الفاصوليا ولم يأكل شيئا.

إنه تصرف غريب، قد يكون حصاني متضايقا من أمر ما. وبما أنه لم يأكل الفاصوليا فهاتها لآكلها وأنا جالس هنا قرب النار.

ضحك روفو وقال: ما أسخف عقولهم! هل صدّقوه؟

أرأيت يا روفو؟ ما كل ما تسمعه يصدّق.


القصة التالية - قصة الذئب المغرور والنعجة الذكية
[next]



قصة الذّئب المغرور والنّعجة الذكية
قصة الذّئب المغرور والنّعجة الذكية
قصة الذّئب المغرور والنّعجة الذكية

قال الذئب: أنا جائع، أريد أن آكل.

الحقيقة أنّ الذئب كان يعيش حيث لم يستطع أحد أن يقيم، بل ابتعد الجميع عنه. ومع ذلك كان يقطع الطّرق ويجرّ إلى بيته كل ما يلتقيه من حيوانٍ من دون تفرقةٍ بين مُذنبٍ وبريءٍ. وكان يزعج الأسماع بعوائه المكروه.

أنا جائع، صاح الذّئب.

قال الرّاعي: يا له من صوتٍ مُخيفٍ! حتّى الحيوانات المُفترسة تسدّ آذانها كلّما لَعلَع صوته في البرية. "أُسكت يا ذئب!"

لكنّ الذئب ظلّ يعوي، وقال: ما أجمل صوتي! إنه أجمل أصوات حيوانات البريةّ! أنا جائع، وقد انقضى اللّيل من غير أن أتمكّن من العثور على شيءٍ آكله. وقد دبّ النعاس في عينيّ ولم أجد بعد شيئًا يشبعني. سيطلع الصّباح من دون أن آكل.

رآه ثعلب صغير فقال له: أراك واقفًا هنا يا ذئب!

نعم، إنّي أنتظر.

ماذا تنتظر؟

أنتظر طعامي!

ماذا تحمل بين فكّيك يا ثعلب؟

هذه؟ إنّها دجاجة، ألا تفرّق بين الدجاج والحيوانات الأخرى؟

من أين أحضرتها يا ثعلب؟ أخبرني. إنّ بطني يكاد يتقطّع جوعًا.

قال الثعلب ضاحكًا: أنتَ حقًا يا ذئب مخلوق مسكين.

غضب الذّئب وصاح: لماذا تقول اننيَ مخلوق مسكين يا ثعلب؟

أجابه الثّعلب: أتقف هنا تنتظر أن تمرّ بك الطرائد، والسّهل عند طرف النّهر يعجّ بالقطعان.

قطعان؟ أيّ قطعان؟

كان الذّئب الأغبر يعيش في غابةٍ قرب قريةٍ فيها الكثير من قطعان الغَنَم، وكان كلّما أحسّ بالجوع، يفترس نعجةً تنفرد عن القطيع. وذات يومٍ، لاحظ أن القطيع يرعى بلا راعٍ وبلا كلاب حراسة. فانقضّ الذئب على القطيع، واختار منه نعجةً ليفترسها، فقالت له: سيّدي الذئب!
ماذا تريدين؟

عفوًا، قبل أن تفترسني، هل لك في أن تصنع لنا جميلاً؟

أيّ جميل؟

إصنع لنا معروفًا، فلن ننسى جميلك.

أيّ معروف؟ وهل يُنتظر من الذئب أن يصنع معروفًا؟

القضية أيّها الذئب المُحترم أنّنا في حاجةٍ إلى مُنشدٍ، ونحن جماعة تحبّ الغناء، وكلّ ما نرجوه هو أن تساعدنا في الغناء، وحين نُغنّي نأمل بعد ذلك أن تهنأ بألف صحةٍ وصحّة.

أغنّي؟ قال الذئب مُتعجبًا.

نعم يا سيّدي... فليس ذلك بمتعذّر عليكَ. فأنتَ مُطرب مشهور، وصوتك نسمعه كلّ ليلةٍ، فلا يمكننا النومّ.
ها! ها! ها! ها!

نعم يا سيدي. نعم يا سيّدي، قبل أن نموت نريد أن نغنّي، ونريدك أن تغنّي معنا.

لم تتمكنوا من النوم بسبب صوتي؟

نعم.

هل كان يخيفكن صوتي؟

جدًا جدًا.

مساكين. كلامك جعلني أشفق عليكن.

هل لك إذَن أن تغنّي مَعَنا قبل أن تأكلنا؟

نعم نعم. قطّعتن قلبي شفقةً عليكنّ. هيّا. واحد، اثنان، ثلاثة. وعلت أصوات العواء.

عندها اندفع السّكان والرّعاة والكلاب في المنطقة وهجموا على الذّئب وقضوا عليه بفضل ذكاء هذه النّعجة وجرأتها.

القصة التالية - قصة العصفور عصفر
[next]



قصة العصفور عصفر
قصة العصفور عصفر
قصة العصفور عصفر



هذا هو العصفور الصّغير عَصفر، وهو يعيش فوق نافذة الحمّام، وراء إطارها الخارجي، في عشٍ دافئٍ من القش والزّغب والورق، وغير ذلك من الأشياء النّاعمة، ولم يكن قد حاول أن يطير بعد، ولكنه كان يخفق بجناحيه، ويطلّ برأسه من العش كثيرًا.

قال عصفر: أوه، كم أحبّ أن أتعرّف إلى دنيا الله الواسعة لأرى ما فيها.

قالت الأم لنفسها: أنا تركتُ صغيري في العشّ، يجب أن أذهب إليه حالاً.

عصفر: أمي.. أمي.. أريد أن أخرج مثلك وأطير.

الأمّ، تضحك: أتسمعون ما يقول؟ إنّه يريد أن يطير.

عصفر يُزقزق.

خاطبته الأم: تعال يا صغيري، تعال. افتح فمّك لأزقّ لك لقمةً يا صغيري.

ما هذه يا أمي؟

هذه دودة يا صغيري! خُذ، كُلها. كم فتّشت حتى جئتك بها!

شكرًا، شكرًا يا أمّي. (يحاول أن يقول شيئًا)...

نعم يا عصفر؟

متى أطير مثلك يا أمي؟

حين يصبح جناحاك قوييّن.

أنظري! أنظري يا أمي! أنا أطلّ برأسي إلى الخارج!

احذر يا عصفر! لا تطلّ برأسك إلى الخارج!

لماذا يا أمي؟

لئلا تقع.

أقع. كيف أقع؟ ما معنى أقع؟

تسقط على الأرض فتتأذّى وتتألّم.

أنا لا أقع.

بلى! تقع وتأتي الهرّة فتأكلك! تلتهمك فورًا!

تأكلني الهرة؟

نعم.

ما هي الهرة يا أمي؟

حيوان يعيش في المنازل، هَمّه أن يلتقط العصافير وخاصّةً الصّغيرة منها.

يأكلني أنا؟

نعم! ولذلك أقول لك: لا تفكّر يا عصفر بالخروج من العش إلاّ بعد أن تصبح قادرًا على استعمال جناحيك لتطير بهما بعيدًا عن كلّ أذى.

ولكنّني أحبّ أن أطير مثلك يا أمي!

انتظر يا صغيري! فمَع الأيّام ستنمو وتكبر، وتصبح مثلي قادرًا على الطّيران والتّحليق.

هَه! أنظري! إنّني أحرّك جَناحي بقوّةٍ. هَه!

لا، لا، لا، هذا لا يكفي. لا تفكّر الآن في هذا الأمر، بل ابق في العشّ، لا تخرج منه. أنا سأعلّمك الطّيران حين تصبح قويًا. فهمت؟
نعم يا أمي.

سمع عصفر صوت ريح عاصفة فخاف وقال: ما هذا يا أمي؟

احتَمِ بي يا صغيري! شدّ نفسك إليّ! ابقَ إلى جانبي!

ما هذا يا أمي؟ لماذا؟

هذه هي الرّيح يا صغيري تهبّ علينا، وأن لم تخبّئ نفسك في داخل العش فإنّها ستحملك وتلقي بك إلى الأرض، فتأتي الهرّة وتأكلك يا حبيبي.

أه! لماذا تتحرّك الأشجار؟ لماذا تهتزّ؟ لماذا لا تتوقّف عن الإهتزاز؟ فتتوقّف الريح وأرتاح!

لا يا صغيري! لا! الرّيح تهبّ فتهز الأشجار وتهزّنا كلّنا!

لا، لا. قولي للريح أن تتوقف يا أمي! إنّها تزعجني!

لا، لا يا عصفر! أنا لا أستطيع أن أفعل شيئًا مع الرّيح. إنّها هي التي تعصف بنا وتهزّنا!

مرّ في تلك اللحظة فلاّح راجع من عمله إلى بيته. فنظر عصفر إليه، وقال: أمي! أمي! أنظري! هذا ليس له جناحان؟ إنّ الهرّة أمسكت به وقصّت له جناحيه!

ضحكت أمّه وقالت: هذا إنسان يا عَصفر! والإنسان ليس له جناحان مثلنا!

لماذا يا أمي؟

الإنسان يعيش بلا أجنحة، فهو يسير على رجليه.

لماذا ليس له أجنحة؟

قالت الأم لنفسها: إنّه يحرجني بأسئلته، ولا أجد له جوابًا مُقنعًا!

سأل عصفر مِن جديد: لم تخبريني يا أمّي.. لماذا ليس للإنسان جناحان؟

الأمّ، مُحاولةً الإجابة: آه.. صحيح.. لو كان له جناحان لطار إلينا واصطادنا، كما أصطاد أنا وأبوك الحشرات لإطعامك!

غريب! قال الصغير مُتعجبًا! لا بدّ أن يكون للجميع أجنحة مثلنا! ربّما الحياة على الأرض أسوأ منها في الجوّ! أنا حين أصبح كبيرًا، سأجعل الجميع يطيرون مثلي تمامًا. هكذا.. هَه.. أنا يا للأسف لا أستطيع الطّيران بعد!..

جلس عَصفر على حافّة العش، وجعل ينشد أشعارًا من تأليفه وتلحينه، بأعلى صوته، صوت زقزقة: مسكين! مسكين الإنسان! يمشي على رجليه، ولا أجنحةً له، وأنا الفرخ الصّغير غدًا أطير لأبحث عن طعامي وآكله لأصبح مثل العصفور الكبير.

وراح عصفر يردّد أغنيته ويكرّرها، ويتحمّس لها، ويرفرف بجناحيه، ثم صاح: أنا أطير! أنا أطير! أنظروا... آه! آه! لا أستطيع أن أرتفع! أنا أسقط! أنقذوني.. أنقذوني..

سقط عصفر من العش على الأرض، ولحقت به أمّه العصفورة، ولكن يا للواقعة! القطّة الحمراء ذات العينين الخضراوين كانت له بالمرصاد. نشر عصفر جناحيه ووقف يرتعد أمام القطة ويقول: أ.. أ.. أنا عصفر، تشرّفت بمعرفتك .. ليَ الشّرف، أنتِ الهرة.. أليس كذلك؟

صَرخت الأم خائفة: عصفر! عصفر! ابتعد عنها! أنا سأطير حولك وأدفعك بعيدًا عنها! فهمتَ؟ ابتعد عنها.. واتركني أتدبّر أمري مع الهرة!
ماذا ستفعلين بها؟

لا عليك! ابتعد عنها! حاول أن تطير! رفرف بجناحيك وطر! طر إلى الشباك. عُد إلى عشّك. أنا سأنقر الهرة في عينيها وألهيها عنك وعنّي.
ومن شدة خوف عصفر، خفق بجناحيه.. وطار وحطّ على النافذة.

صاحت الأم: عصفر! عصفر! لقد نجوتَ يا حبيبي! ونجوتُ أنا أيضًا!

أمّي! أمي! ما أقواك يا أمي!

وأقبلت الأم إليه بمنتهى السعادة، ولكن القطة كانت قد قطعت لها ذيلها!

ها! لقد قطعت القطة ذيلك بسببي يا امي . بسببي يا أمي أنا (بتأثّر).. بسبب جَهلي..

قالت الأم: من أجلك يا صغيري كلّ شيء يهون!

على كل حال.. تعلّمتُ يا أمي!

صحيح! المرء لا يتعلّم كل شيء دفعةً واحدةً.

سأكون حذرًا في المستقبل حتّى لا أقع ولا أتورّط ولا أورّطك!

عافاك يا عصفر!

وفيما كانت الأم تحضن صغيرها كانت القطة تموء وتقول: عصفور ناعم صغير، ولكنّني لم أتمكّن من أن أمسك به!

أرأيت ما كانت تريد القطة منك؟ الحمد لله سلمت أنتَ ولم أصب أنا بأذى كبيرٍ! قالت الام.

القصة التالية - قصة الهر طبوش
[next]



قصة الهر طبّوش 
قصة الهر طبّوش
قصة الهر طبّوش 




سُمع صوت مواء قطط...

طبوش... يا طبّوش... أين أنت يا حبيبي؟

نعم يا أمي! أنا هنا. [يقول بنفسه، بدأت بطلباتها].!!

ماذا قلت يا طبّوش؟

أقول أنا هنا يا أمي، ماذا تريدين؟

تعال... تعال يا صغيري.... تعال ساعدني يا طبوش....

بماذا تريدين أن أساعدك؟ ( لنفسه): آه... لقد عادت تعمل على تسخيري!

ماذا قلت يا طبوش؟

ماذا تريدين مني؟

اذهب إلى النبع يا بني واملأ هذه الجرة ماء.

ماذا يا أمي؟

اذهب، واملأ هذه الجرة من النبع.

استلقى الولد وقال لأمه: اريد أن أتشمّس! دعيني مرتاحا.

ماذا ؟ تريد أن ترتاح؟

أقول أنا لا أحب أن أنزعج!

تنزعج؟ إنك لا تحب أن تنزعج! قالت الأم مستغربة.

لا أعني ذلك! ولكن الجرة ثقيلة، والطريق إلى النبع بعيدة، يا أمي!

أوه! كم أتمنى أن أطلب منك شيئا دون أن تتأفف أو تتذمّر.

آه .. أنت دائما تريدين أن أقوم بأعمال لك!

أنا أريد أن تساعدني يا طبوش في هذه الخدمة!

في هذه الخدمة! كم أتمنى أن يمضي يوم واحد دون أن تطلبي مني خدمة!

يا طبوش، الحياة كلها خدمات...ألا أخدمك أنا؟ ألا أطبخ لك الطعام؟ وأهتمّ بك؟ وأسهر على راحتك؟

نعم يا أمي .

أنا أطلب منك أن تخدمني قليلا فترفض.




أنا لا أرفض، لكنني تعب.

طيّب! إذا كنت لا تريد أن تساعدني فانتظر مني ما يسرك يا طبوش. قالت الأم بلهجة فيها تهديد.

بكى طبوش وقال كم أنا تعيس!

اسمع يا طبوش! الجرة هنا قرب الباب، ستنهض وتحملها وتذهب بها إلى العين لتملأها ماء وتعود بها. معك عشر دقائق لا أكثر ولا أقل! إن عدت ووجدتك لم تنفذ طلبي سترى ما لا يسرّك! أفهمت؟

هذا كثير!

أنا ذاهبة الآن، وسأعود لأرى هل نفذت أمري أم لا. مفهوم يا طبوش؟




سمع طبوش صوت أرنب.

قال الأرنب: ما بك يا طبوش؟ لماذا تبكي؟ أخبرني.... هل أستطيع أن أساعدك؟ عهدي بالهررة الصغيرة أنها لا تبكي، بل تلعب وترقص.

استمر طبوش في بكائه وأجاب: ماذا أقول لك يا صغيري الأرنب؟ أنا أبكي لأن أمي طلبت مني أن أملأ لها الجرة ماء... ومن أين؟ من النبع ! والنبع بعيد..... بعيد .... يبكي.

وماذا في ذلك يا طبوش؟

الجرة ثقيلة، والنبع بعيد!

هل تتعب يا طبوش؟

طبعا أتعب!

عليك أن تطلب المساعدة من الآخرين إذن!

هاه ..إذن لماذا لا تساعدني أنت يا أرنب؟ تحمل الجرة من أذن وأنا من الأذن الأخرى، ونذهب معا إلى النبع، فنتسلّى، وفي الوقت نفسه تكون قد ساعدتني...

أجاب الأرنب: يا ليت! ولكني مشغول يا طبوش... بإمكاني أن أرشدك!

ترشدني؟ بماذا ترشدني؟

خذ الجرة بيدك وسر بها إلى هناك... أترى جارك الحمار هناك؟

نعم أراه!

طلب منه أن يأخذك إلى النبع ويعيدك. فالحمار مخلوق طيّب، يحب المساعدة ، ولكن عليك أن تكون لبقا في كلامك!




ضحك طبوش وقال: فكرة... فكرة حلوة.!

إذن حدّثه وأطلب منه بلطف. إنه طيّب جدا لا يرد طلبا لأحد.

هه هه! فكرت بطريقة حلوة.




علا صوت نهيق حمار




مرحبا يا صديقي الحمار ... كيف حالك؟

من هذا؟ من يكلمني؟ صاح الحمار.

هذا أنا! هذا أنا جارك، الهر طبوش...

نَهق الحمار: تشرفنا...

آه ما أحلى صوتك يا حمار! إنه جميل! جميل جدا جدا!

ماذا تقول؟ (مستغربا)

أقول أن صوتك جميل جدا جدا، لم أسمع في حياتي أجمل منه!

همس الأرنب: طبوش! طبوش!

ما بك يا أرنب؟ لماذا لحقتني؟

لحقت بك لأرى ماذا ستفعل.... وأراك الآن تكذب يا طبوش!

أكذب؟

نعم، تكذب على الحمار، وتقول أن صوته جميل مع أن صوت الحمار قبيح!

أسكت أنت! هذه طريقة أجعله بها يساعدني وينقلني مع جرتي إلى النبع.

ولكن هذا كذب!

نهق الحمار من جديد وقال: ما لك يا طبوش سكت؟ ماذا تريد مني؟

آه .. آه ! لو تعلم يا حمار! أنا مريض!

الحمار: مريض؟ أنت مريض؟ لا أرى فيك شيئا يدل على المرض!




هاه ... صدقني... صدقني... أنا مريض، وفي الوقت ذاته عطشان ... فهل لك أن تنقلني على ظهرك إلى النبع لأملأ الجرة ماء؟




أجابه الحمار: في الحقيقة يا طبوش أنا مخلوق أحب أن أساعد الآخرين، وخاصة المرضى منهم، والصغار الذين لا يكذبون....

أنا مريض صدقني . صدقني يا صاحب أجمل صوت في العالم .!

أنا صاحب أجمل صوت في العالم؟

طبعا... طبعا... صوت ولا أروع.

حسنا! ماذا تريد؟

انحن إلى الأرض قليلا أيها الحمار لكي أتمكن من أن أعتلي ظهرك!

اقترب أنت يا طبوش من رجلي، أجابه الحمار. اقترب يا طبوش وتسلقها تصل إلى ظهري!

حسنا، سأتسلق رجلك وبيدي الجرة... مدّ رجلك..

ضحك الحمار وقال: هه! خذها مني( يرفس طبوش فيقع وتنكسر الجرة)

صرخ طبوش من الألم وصاح: رفستني يا حمار؟ لماذا فعلت بي هذا ؟ كسرت فكّي وكسرت جرتي....وأخذ يبكي متألما ...

أنا أكره الكذابين يا طبوش .

ماذا قلت أنا؟

قلت أن صوتي جميل، مع أني حمار وأعرف أن صوت الحمير من أنكر الأصوات...

تسائل طبوش: ماذا سأقول لأمي الآن بعد أن انكسرت الجرة وتلقيت رفسة على فكّي آه! يا لتعاستي !...

قال الأرنب: هذا جزاؤك لأنك كذبت عليه!

أجاب طبوش: معك حق .. أنا نادم جدا.

ألن تكذب بعد الآن؟ سأل الأرنب. اعتذر للحمار.

أبدا... أبدا أنا آسف يا حماري العزيز. لن أكذب بعد الآن!

لن تكذب بعد الآن؟

أبدا.. أبدا ... لن أكذب.

حسنا، يكفي بكاء! كفّ عن البكاء وكفكف دمعك. خذ جرتي واصعد على ظهري، وهيّا بنا لنحضر الماء.

صحيح ؟ ألن ترفسني؟ سأله طبوش

لن أرفسك ما دمت لا تكذب.

شكرا لك.

هيّا هيّا ... ماذا تنتظر؟

لا لا! شكرا يا حمار، لن أزعجك! سأذهب بنفسي كي أثبت لأمي أني لست متكاسلا.

أضاف الحمار: وبهذا تكون قد أحسنت صنعا.

قال الأرنب: أحسنت يا طبوش!

سألت الأم: طبوش! هل ملأت الجرة؟
أجابها طبوش ( فرحا) : نعم يا أمي!
الأم: هاه .. ولكن الجرة ليست جرتنا.
طبوش: نعم يا أمي ، هذه جرة الحمار .. آه ليتك يا أمي تعرفين ما حدث لي.
الأم: نعم ... نعم ... أعلم كل شيء ... لقد كنت أراقبك من بعيد، وشاهدت الحمار يرفسك . كم خفت أن يؤذيك؟
صدقيني يا أمي كان درساً لن أنساه، ولن أكون خاملا ولا كاذبا..
 أحسنت يا طبوش !! هكذا أريدك يا بني!!

القصة التالية - قصة ذيل الثعلب
[next]



ذيل الثعلب 


كان لعجوز غنم تحلبها كل ليلة وتسخن الحليب عشاء لها ولأولادها.
قصة ذيل الثعلب
قصة ذيل الثعلب

عرف الثعلب مكان الحليب، فصار يأتي كل ليلة ويلعقه ويهرب. أرادت العجوز أن تعرف من يسرق الحليب، فاختبأت في زاوية الغرفة. ودخل الثعلب وأخذ يلعق الحليب بشراهة، فضربته بعصا من حديد وقطعت ذيله.

صاح الثعلب من الألم وأخذ يقول: أرجوك يا سيدتي العجوز أن تعيدي لي ذيلي.

ردّت العجوز: أحضر لي حليباً بدل الذي شربته فأعيد إليك ذيلك.

ذهب الثعلب إلى الغنم وقال لها: أريد حليبا لأعطيه للعجوز لترجع ذيلي.

أجابت الغنم : أحضر لنا أوراقاً خضراء من الشجرة القريبة لنأكلها حتى نعطيك حليباً.

ذهب الثعلب إلى الشجرة وقال لها: أعطيني بعضا من أوراقك الخضراء للغنم، لكي تعطيني حليباً آخذه للعجوز لتعطيني ذيلي.

فقالت له الشجرة: أحضر لي رجلاً يحرث الأرض من حولي ويخلصني من الأعشاب وتنبت أغصاني، فأعطيك منها.

ذهب الثعلب إلى الفلاح وقال له: أرجوك أن تحرث الأرض حول الشجرة لكي تعطيني أوراقا خضراء تأكلها الغنم فتعطيني حليبا للعجوز لكي تعطيني ذيلي .

فقال الفلاح: أحضر لي حذاء حتى ألبسه وأمشي به إلى الشجرة.

ذهب الثعلب إلى الإسكافي وقال له: يا سيدي أريد حذاء للفلاح ليذهب إلى الشجرة فيحرث الأرض من حوله حتى تعطيني بعض الأوراق، لأعطيها للغنم فتعطيني حليبا أعطيه للعجوز فترجع لي ذيلي. أشفق الإسكافي على الثعلب وأعطاه حذاء قديماً.

فرح الثعلب وأخذ الحذاء إلى الفلاح. لبس الفلاح الحذاء وذهب إلى الشجرة وحرث حولها. فرحت الشجرة وأعطت الثعلب بعض أوراقها. فحمل الثعلب الأوراق للغنم. فأكلت الغنم الأوراق وأعطت الحليب للثعلب.

حمل الثعلب الحليب إلى العجوز وكان يلهث من شدة التعب, وقال لها: هذا هو الحليب الذي طلبته. أعطيني ذيلي الآن.

قالت العجوز: لقد أوقعت نفسك في المتاعب أيها الثعلب. هذا ذيلك خذه. هل كنت تظن أن سرقة الحليب سهلة.


القصة التالية - قصة الهر زعفران
[next]



الهر زعفران 




نعم ، إنه القط زعفران، إنه هر صغير لكن عنده مشكلة...
قصة الهر زعفران
قصة الهر زعفران

ميو ... ميو. ما هذا؟ أنا في حالة لا تطاق. الجميع يزعجونني ويثيرونني. أقترب من رفاقي الهررة فيبتعدون عني ولا يريدون أن يشتركوا معي في ألعابهم.

قالت أمه: هل تعرف يا زعفران لماذا لا يريدك رفاقك أن تلعب معهم؟

لا. لا أعرف ولا أريد أن أعرف.

على العكس، يجب أن تعرف يا زعفران. لعلّك تحسّن من تصرفاتك.

حسنا، لماذا لا يريدون أن ألعب معهم؟

لأنك سريع الغضب، لا تقبل المزاح، ولا تتغاضى عن الأخطاء التي يعتذر لك رفاقك من أجلها إذا ما بدرت منهم.

لا أدري.لا أدري. أنا هكذا دائما. هذه هي طباعي.

عليك أن تغيّر هذه الطباع.

لا أقدر،لا أقدر، حبّذا لو أقدر!

جرّب يا زعفران. حاول يا صغيري.

ازداد سلوك القط الصغير زعفران سوءا، وازدادت شراسته، وصار يضرب إخوته من دون سبب مقنع، ويرفض نصيح أمه وأبيه.

- مواء مواء مواء مواء مواء

لماذا؟ لماذا؟ لماذا يا زعفران تضرب إخوتك القطط الصغيرة؟

لا أطيقها ، لا أحبها.

إنك بتصرفك هذا يا بني جعلت الجميع يبتعدون عنك.

لمست ذلك يا أبي، حتى أمي ذاتها لم تعد تحكي لي حكايات المساء المسلية. وإخوتي صاروا يتحاشون الاحتكاك بي حتى لا أثور.

إذن يجب أن تفعل شيئا.

ماذا أفعل يا أبي؟ إنني أشعر وكأنني أعيش في عزلة، وأشعر وكأني أنكفئ على نفسي..

اسمع يا زعفران، يا صغيري العزيز.. يجب أن تجد حلاً لمشكلتك.

ساعدوني. ماذا أفعل؟

فكّر. فكّر في الأمر يا بني. فكّر، فكّر. ماذا عليك أن تفعل يا زعفران؟ ماذا عليك أن تفعل؟

قالت الأم: إنه يجهد نفسه ويفكر.

وقال الأب: يحكّ رأسه لعله يجد الحل .

آه.... يا أمي؟ هه! وجدت الحل يا أمي. وجدته.

صاح الأب: ما هو؟ ما هو الحل الذي وصلت إليه؟

أجاب زعفران: أعاهد نفسي أن أظل يوما كاملا من دون غضب. لا أثور على أحد مهما كانت الأسباب .

مواء موا ء ....

الأب: هذا قرار عظيم .

الأم: حاول من الآن.

وفي اليوم التالي نهض القط الصغير زعفران من فراشه وأطلّ من النافذة.

ميو. ميو.. أوه السماء ملبّدة بالغيوم الداكنة. ولكن مهلا، مهلا يا زعفران. ليس هناك ما يثير غضبك. فقد عاهدت نفسك على ألا تثور، ولذا إنني لن أثور أبدا بل سأضحك. ميو. ميو.

وتوجّه القط زعفران إلى مائدة الطعام ليتناول الفطور. فمدّ يده ليتناول إبريق الشاي ليصبّ منه في الفنجان .

أوه. الشاي بارد. ما لك؟ ما لك يا زعفران؟ لا تفقد أعصابك. لقد عاهدت نفسك على ألا تثور. أفضل شيء هو أن أذهب إلى المطبخ وأسخّن الإبريق من جديد. اضحك. اضحك يا زعفران. ابتسم. هيء هيء. ميو ميو.

وحين استعد زعفران لمغادرة المنزل إلى المدرسة وجد حقيبته مفتوحة وكتاباً منها قد تمزّق غلافه.

قال زعفران: هذا شقيقي الصغير ! يا له من هر خبيث. ولكني لن أثور. سأكبت غضبي، وسأعيد تغليف الكتاب اليوم عندما أعود من المدرسة. وسيكون الغلاف زاهيا جميلا.هيء. هيء. ابتسم يا زعفران، لا تغضب.. ميو . ميو.

قالت الأم: هل تسمعني يا زوجي العزيز؟

ماذا تريدين أن تقولي يا زوجتي المحترمة؟

ابنك زعفران كان اليوم على غير عادته.

كيف؟ يضحك، كيف؟ صحيح كيف؟

تصور! تصور أنه مضى إلى المدرسة. سار في الطريق وهو يتأمل التلاميذ والناس وهم مسرعون إلى مدارسهم وأشغالهم. كنت أراقبه من بعيد. كان يبتسم فرحا وقد امتلأ قلبه بشعور ممتع، وهو يقول: يا له من صباح جميل! ويغني .

قال الأب: صحيح؟ صحيح؟هذه أخبار جميلة، أخبار جميلة عن زعفران .

وقالت الأم: وأكثر. عند مدخل المدرسة اصطدم زعفران بتلميذ يركض وآلمته الصدمة، ولكنه ضغط على نفسه ولم يغضب، بل قال: عفوا يا صديقي. أنا آسف.

ولكن . كيف عرفت كل ذلك؟

لحقت به ورحت أراقبه من بعد. تصوّر أنه أمضى كل الصباح مبتسما ولم يتذمر أو يغضب رغم أن الأستاذ وبخه لأنه لم يكتب الوظيفة . فاقترب من الأستاذ وقال: عفوا يا أستاذ! أرجو أن تسامحني! وبقي زعفران سعيدا.

الأب والأم يضحكان: ميو . ميو. ميو .

هذا هو زعفران مقبل. إنه مسرور جدا وقد شعر الأصدقاء بتغير سلوك صديقهم، فأقبلوا عليه يداعبونه ويمازحونه. وكان راضيا يبادلهم المداعبة والمزاح بروح مرحة. وعاد إلى البيت فيما كانت أمه في المطبخ تعدّ الطعام.

أهذا أنت يا زعفران ؟ قالت الأم.

نعم يا أمي! طاب نهارك.

شكرا يا صغيري.

أمي، هل تريدين أية مساعدة؟

تريد أن تساعدني يا زعفران؟

نعم يا أمي، اطلبي وتمني.

هذا تصرف رائع. تصرف ممتاز يا صغيري تستحق عليه كل تهنئة.

أمي.

نعم يا صغيري.

هل تعلمين يا أمي أن الحياة تكون ممتعة جدا حين أكون مبتسماً ومزعجة جدا حينما أكون غاضبا.

تعجب الأب وقال: هاه! ماذا تقول يا زعفران؟

أقول لأمي أني أجد الحياة ممتعة جدا حين أكون مبتسما ومزعجة جدا حين أكون غاضبا.

نعم . نعم .. هذه هي الحقيقة. هذه هي الحقيقة يا ولدي. ها... وماذا قررت أن تفعل الآن؟

لن أغضب بعد الآن. بل سأبقى مبتسما وأواجه كل شؤون الحياة برفق وروية وابتسامة.

بارك الله فيك من ولد عرف طريق الحياة ...


القصة التالية - قصة البقرة الصفراء
[next]



دم البقرة الصفراء
قصة البقرة الصفراء
قصة البقرة الصفراء




كان في قديم الزمان في إحدى المدن، أخوان يعيشان معا، لكن أبواب الرزق انسدت في وجهيهما، فقررا السفر إلى مدينة أخرى.

حمل كل واحد منهما زاده ورحلا. وفي الطريق قال الصغير للكبير: "لنأكل زاد أحدنا حتى ينتهي، ثم نأكل زاد الثاني". فأكلا زاد الأخ الكبير أولا.


وعندما انتهى زاد الكبير وماؤه، وهما يسيران، شعر الأخ الكبير بالعطش، فطلب من أخيه الصغير أن يعطيه قليلا من الماء، لكن الصغير قال: ما معي يكفيني وحدي. وترك أخاه الكبير وانصرف وحده.

سار الكبير وحده أيضا، وهو يعاني الجوع والعطش الشديدين، فضعفت قواه، فذهب إلى حفرة واضطجع ليستريح فيها.

مرّ في هذه الأثناء جنيّان وجلسا يستريحان قرب الحفرة.

قال الجني الأول: " كيف تقضي وقت فراغك يا صديقي؟"

أجاب الجني الثاني: " في مكان كذا، توجد خزائن كثيرة أذهب إليها إذا ضجرت، وأنظر إليها وتنشرح نفسي. وأنت كيف تقضي وقت فراغك؟"

أجاب الجني الأول: أما أنا فإذا ضجرت أدخل في رأس أي فتاة جميلة فتصير مجنونة.

سأل الثاني: وما علاجها؟

أجاب الأول : يرش على وجهها دم بقرة صفراء، فتصبح عاقلة."

كان الشاب يسمع حديثيهما وهما لا يريانه. وبعد أن استراح الجنيان انصرفا، وخرج الأخ الكبير من الحفرة، فأبصر قافلة متجهة إلى إحدى المدن، فأشار إليها بيده ورآه بعض رجالها، فحملوه معهم.

ولما دخل المدينة، وجد الناس في حالة هرج ومرج فسألهم: "ما بكم يا ناس" ؟

فقالوا له: " أنت غريب ولا تعرف شيئا. إن بنت السلطان مجنونة، ولا يستطيع أحد أن يشفيها".

ذهب الشاب إلى السلطان وقال له: "أنا أقدر أن أشفي بنتك". فقال السلطان: "إنها محبوسة في غرفة والكل يخاف الدخول عليها. إننا نعطيها طعاما وشرابا من الشباك. هل تعلم أنه إذا لم يفد علاجك قطعت رأسك؟". فطلب الشاب خمسمائة روبية وأن يمهله فترة. فأعطاه السلطان ما طلب.

اشترى الشاب ملابس جديدة واستأجر سكنا، ثم سأل عن سوق الحيوانات. وأخذ يفتش عن بقرة صفراء لكنه لم يجدها. وكان كل يوم يذهب إلى سوق الحيوانات من الصباح إلى المساء ثم يرجع إلى داره مرهقا حزينا إلى أن جاء يوم، وهو يبحث في السوق، فأبصر فلاحاً يجر بقرة صفراء ليبيعها، فاشتراها منه وذبحها ووضع دمها في طشت. ثم ذهب إلى قصر السلطان، وطلب من الخدم أن يفتحوا باب غرفة بنت السلطان، ففتحوها له وهربوا بعيداً.

اقترب الشاب من بنت السلطان ورش على وجهها دم البقرة، فسقطت مغشيّاً عليها. وبعد أن أفاقت من غيبوبتها أخذت تبكي، فأسكتتها الخادمات وأدخلنها الحمام وحممنها. وذهبت إلى أبيها وقبّلت يده ، ففرح السلطان فرحا لا يوصف.

شكر السلطان الشاب وقال له: " لقد شفيت ابنتي، وسأزوجك بها." فرح الشاب وتزوج بنت السلطان. ثم أخذ عدداً من الجمال وذهب إلى مكان الخزائن التي سمع عنها من الجني، ونقل كل ما فيها من ذهب ومجوهرات .

مرت الأيام، والشاب سعيد مع زوجته، وقد أصبح غنياً جداً.

وفي يوم من الأيام، أراد السلطان أن يخرج في مهمة، فأوكل إليه السلطنة نيابة عنه. وبينما كان الشاب يجلس في مجلس السلطان والناس يدخلون عليه، رأى بينهم أخاه الصغير يرتدي ثيابا عتيقة ممزقة، فعرفه، وطلب إلى الحراس أن يأخذوه إلى الحمام ويلبسوه ملابس جديدة. وبعد أن انتهوا من ذلك، أتوا إلى مجلس السلطان، فعرفه أخوه الصغير وراح يبكي وقال له: " بعد أن فارقتك تغيّرت حالي وأصابني فقر شديد، ورحت أستجدي الناس من مدينة إلى أخرى حتى وصلت هذه المدينة، فوجدتك سلطانها وقد حسبتك ميتا. فكيف صرت إلى هذه الحال؟"

حكى الأخ الكبير لأخيه الصغير ما حدث له وقال: عندي من الأموال خزائن فابق معي وشاركني حكم هذه المدينة.

فقال الأخ الصغير: " أنت وصلت إلى هذه الحال حين نمت في الحفرة، وأنا أعرف الحفرة جيدا. سأذهب إلى هناك وأكون أحسن منك ولا أريد منّتك ."

حاول الأخ الكبير منع أخيه الصغير من الذهاب، لكن طمع الصغير جعله يصرّ على الذهاب إلى تلك الحفرة، وجلس فيها.

وعندما جاء الجنيان قال الأول: كيف تقضي وقت فراغك يا صديقي؟

فأجاب الثاني: لم يعد لي شيء أتسلى به فقد اختفت الخزائن.

فتنهد الثاني وقال: أنا أيضا عُرف سري.

فقال الأول: ربما يكون أبن آدم قد أطّلع على سرّينا؟

أحسّ الجنيان بأن في الحفرة شيئا، فنظرا فيها ووجدا الأخ الصغير، فانقضا عليه وقتلاه.

وهذه هي نهاية الطمع.

القصة التالية - قصة جحدر والأسد
[next]
قصة جحدر والأسد
قصة جحدر والأسد


 جحدر .. اللص المخيف 


في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ... كان هناك فتى صغير ، خفيف الحركة ، شجاع اسمه "" جحدر بن ربيعة "" ... لكنه للأسف كان لصاً ، يقطع الطريق ...

وشيئاً فشيئاً اشتهر أمر "" جحدر "" بين الناس ، وزاد شره بانضمام بعض اللصوص إليه وكونوا عصابة سكنت الكهوف والجبال ، وصارت تطارد المسافرين والرعاة وسكان القرى المجاورة ، فتسلب أموالهم وأمتعتهم ومواشيهم ، وتهدد أمنهم ....

وباءت كل محاولات أهالي البلدة للقبض عليه بالفشل .. حتى أن "" جحدر "" تمكن من هزيمة مجموعة كبيرة من الرجال الشجعان كانت قد توجهت للقضاء عليه .. وهكذا صار ذكر اسم "" جحدر "" مثيراً للرعب في كل نفس ، ولم يعد الناس يخرجون من بيوتهم إلا للضرورة القصوى ، خشية أن يتعرض لهم "" جحدر "" أو أحد أتباعه ، فيسرقهم أو يهلكهم !..

( 2 )

"" وغَضِب الوالي ""

زادت ثقة جحدر بنفسه ، فازداد إجرامه مع عصابته ، وسرى الرعب من قرية إلى قرية ، ومن مدينة إلى مدينة ، حتى وصلت أخباره إلى الوالي حاكم البلاد ، فغضب أشد الغضب ...

فَكَّر الوالي في أمر جحدر ، ووجد أن شخصاً قوياًّ وشجاعاً مثله لن يُهزم إلا بالحيلة والذكاء ، .. .. فتوصل إلى حيلة ذكية ، إذ جمع مجموعة من الشباب وشرح لهم خطته .. ثم أرسلهم إليه .. 

واتجه الشباب فوراً إلى نواحي كهوف الجبال باحثين عن جحدر ، وبعد عناء وجهد فوجئوا به ينقض عليهم كالأسد محاولاً سلبهم ، إلا أنهم استجمعوا قواهم وقالوا له ( لا تعجل ، إنما نحن شباب شجعان تضايق منا أهالينا ، لأننا تعودنا على السرقة والنهب ، فأردنا أن نكون تحت أمرك لما سمعناه عنك من الشجاعة والذكاء ) ... كان العرض مغرياً بالنسبة إلى جحدر .. فهم مجموعة شبان أقوياء .. وسيكونون خير معين له .. فقال لهم : ( سأجربكم ) ..

( 3 )

"" القبض على جحدر ""

اختبر جحدر الشباب عدة أيام وبدأ يعجب بشجاعتهم وذكائهم ، وشيئاً فشيئاً أصبح يثق بهم ، حتى صار ينام بينهم آمناً مطمئناً ، بعد أن يبعد سيفه ورمحه عنه ، كأنه بين حرسه الذين يحبونه ويمحونه من الخطر .. وفي إحدى الليالي بينما كان يغط في نوم عميق ويعلو شخيره إذ بالشباب يهجمون عليه ويقيدونه بالحبال .. استيقظ جحدر مرتبكاً مما رآه وحاول أن يفلت من القيود ، ولكنه لم يتمكن من عمل أي شيء .. فأخذه السباب وأوصلوه مقيداً إلى الوالي ...

( 4 )

"" جحدر .. الشجاع ""

تفاجأ الوالي عندما رأى جحدر ؛ فقد وجده وجده صغير الجسم خفيف الوزن مقيداً بقيود أثقل منه !... فأجاب بقلب ثابت : ( نعم .. أنا جحدر بن ربيعة ) ، فسأله الوالي ( مالذي دفعك إلى ارتكاب جرائمك ) ؟.. فأجاب : ( الظلم ، وجرأة القلب ، و إفلاس الجيب ، وجبن الناس ) .

دُهش الوالي من جرأة هذا اللص وفصاحة لسانه وصراحته ، على رغم اقترابه من العقاب والهلاك ..

لذلك استمر في سؤاله : ( هل تدرك عاقبة أمرك ونتيجة أفعالك ) ؟ .. فإذا بذلك اللص يقول :

.. ( لو جعلتني أيها الأمير من فرسانك ، لرأيت مني ما يعجبك ) !... ضحك الوالي ساخراً مستنكراً وقال : ( ماذا ؟!..أنت؟!.. أجعلك فارساً من فرساني ؟!.. أيها المجرم .. إن اللصوص لا يحسنون غير السرقة ، ولا ينالون غير العقاب الشديد فالترزم حدودك ) .. كرر جحدر بجرأة ( لو جربت حكمتي وحيلتي في المأزق والمصاعب لغيرت رأيك ، وستجدني مفيداً لك وللناس ) ...

فكر الوال برهة ثم قال : ( حسناً .. سنجرب ) ..

( 5 )

"" في قفص الأسد ""

أصدر الوالي أمراً غريباً ؛ إذ أمر بوضع جحدر في قفص مع أسد ! ... وقال له : ( سندخلك إلى قفص هذا الأسد ونعطيك سيفاً ، فإن قضي عليك فهو جزاؤك ، وإن قضيت عليه فسنعفو عنك ) .. ودُهش الجميع برد جحدر إذ قال : ( لقد دنا الفرج ، وقرب العفو ) ! ...

ان الناس مشفقين على هذا اللص الذي لا يقدر عاقبة الأمور ، ولا يتخيل ضراوة أسد جائع يمكن أن يقضي عليه بعضَّة واحدة . وفعلاً نزل جحدر بثبات إلى قفص الأسد ، وبينما كان الأسد يزأر متلهفاً لوجبة طالما انتظرها كان جحدر ينشد : ( هو ليث وأنا ليث .. هو ليث وأنا ليث ) ..

انقض الأسد عليه ، فأفلت منه بقفزة رشيقة مسلطاً سيفه على جسم الأسد الضخم ، فنال منه وجرحه جرحاً مؤلماً ...

زاد الأسد شراسة وهجوماً ، بينما انقض جحدر عليه بضرب رقبته بالسيف مراراً حتى .. قضى عليه ! .. فرفع سيفه منتصراً وسط ذهول المتفرجين وتكبيرهم ، وأمنياتهم بأن يستفاد من هذه الشجاعة وهذه المهارة وهذا الذكاء في الخير لا في الشر ..

( 6 )

الجزء الأخير من القصة

"" توبة جحدر "

أعجب الوالي بما حصل كثيراً .. تقدم وفتح باب القفص بنفسه وأمسك بيد جحدر وقال له :

( لقد كسبت وأثبتَّ أنط خير من ينجو من المأزق والمهالك بشجاعتك وإقدامك ، فهل تهادني على أن تستغل صفاتك النادرة في الخير وتبتعد عن الشر ) ؟ .. رد جحدر : ( إنني أعاهدك على ذلك أيها الأمير ، وأشهد أنني تبت توبة صادقة ) .

قال الوالي : ( إنني أخيرك بأن تقيم عندي مكرماً ، وتعمل بين جنودي مقرباً ، أو أن تعود إلى بلدك ، فتثبت لأهلك وعشيرتك حسن سيرتك وسلوكك ) .. فقال جحدر : ( أيها الأمير ، أفضل أن أكون معك جندياًّ من جنودك ، وأعاهدك أن أكون سيفك على العصاة والمجرمين ..

وأنا أتوب إلى الله الذي نجاني وأكرمني ، توبةً نصوحاً ) .

صار جحدر من خيرة المدافعين عن الحق والخير ، ومن أحسن الناس عبادةً وطاعةً لله تعالى راجياً عفوه ورضاه .


القصة التالية - قصة الأسد والثيران الثلاثة
[next]




الأسد والثيران الثلاثة
قصة الأسد والثيران الثلاثة

كان في أجمة ثلاثة ثيران: أبيض وأسود وأحمر، ومعهم فيها أسد، فكان لا يقدر منها على شيء لاجتماعها عليه.

قال الأسد للثور الأسود والثور الأحمر: لا يدل علينا في أجمتنا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور، ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله صفت لنا الأجمة.

فقالا: دونك فكله.

فلما مضت أيام، قال للأحمر: لوني من لونك، فدعني آكل الأسود لتصفو لنا الأجمة.
فقال: دونك فكله.

ثم قال للأحمر: إني آكلك لا محالة.

فقال: دعني أنادي ثلاثا.

فقال: افعل.

فنادى: ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض.!


القصة التالية - قصة الغولة والشقيقان
[next]

الغولة والشقيقان
قصة الغولة والشقيقان

مات فلاح تاركا لولديه الصغيرين عاصم وباسم منزلا متواضعا وقطعة أرض كانت مورد الرزق الوحيد لتلك العائلة الصغيرة.

وجدت الأم نفسها في وضع صعب لا تحسد عليه.. فقد مات زوجها فجأة ولم يكن لها ما يساعدها على العيش مع ولديها القاصرين، سوى هذه القطعة من الأرض التي تحتاج إلى من يفلحها ويزرعها.. شمرت عن ساعديها وقررت أن تعمل في حراثة الأرض لكي تكسب ما يقيها الجوع.. استمرت في عملها الشاق هذا سنوات حتى غدا ولديها في سن الشباب.

ذات يوم، وبعد أن عادت من الحقل، قالت لهما:
الآن قد أصبحتما قادرين على العمل، فعليكما أن تقوما بحراثة الأرض حتى أتفرغ أنا لشؤون البيت.
أجاب الشقيقان بصوت واحد: نحن جاهزان للعمل يا أماه.
ضمتهما إلى صدرها بحنان وقالت: الآن إلى النوم، وغدا إلى العمل..

في الصباح الباكر، نهض الولدان وعلامات السرور والنشاط بادية على وجهيهما.. جهزت لهما كل حاجات العمل الزراعي.. من الفأس إلى المحراث، وإلى حمار الحراثة، وناولتهما زاد الغداء متمنية لهما التوفيق والنجاح.

وصل الولدان إلى الحقل عند شروق الشمس. تناول كل منهما فأسه وبدآ باقتلاع الأشواك. لم يتحملا وخزها.. نظر عاصم إلى أخيه الأصغر باسم وقال:
- إن هذا العمل قاس ومتعب، ولا قدرة لنا على القيام به.
- صدقت يا أخي.. فنحن لم نخلق لمثل هذه الأعمال الشاقة.
- هيا بنا نلعب يا باسم، وعندما تدركنا حرارة الشمس، نتفيأ ظل هذه السنديانة الوارفة.

راح الولدان يلعبان ويركضان تارة، ويركبان الحمار تارة أخرى، ثم يسترخيان تحت ظلال السنديانة.. وظلا على هذه الحال من اللهو والكسل، والأم المسكينة لا تعرف شيئا عن تصرفهما الطائش.. إلى أن حل موسم الحصاد، وظهرت الأمور على حقيقتها المرة القاسية.. كانت الصدمة عنيفة للأم الحنون الصابرة التي فجعت بفقد زوجها، وها هي الآن تواجه فاجعة أشد هولا وأكثر مرارة، تمثلت في خداع ولديها لها. فقامت بتوجيه اللوم والعتاب لهما، وهما صامتان صمت الأصنام لا يرف لهما جفن ولا ينطقان بكلمة.

قرر الولدان الهرب من المنزل. وعندما حل الليل خرجا خلسة وسارا يقودان الحمار، بينما الوالدة كانت تغط بنوم عميق..

وصل عاصم وباسم إلى غابة كثيفة الأشجار، وقد أضناهما التعب واستبد بهما النعاس فناما إلى جذع شجرة ضخمة وإلى جانبهما الحمار. استيقظا صباحا ولم يجدا الحمار.. راحا يبحثان عنه في الغابة.. فجأة وجدا نفسيهما أمام غولة مخيفة دب منظرها الرعب في قلبيهما..
قالت لهما: أهلا وسهلا بكما، لأنكما ستحلان في داري ضيفين مكرمين معززين.

عقد الرعب لسانيهما، فاستسلما لإرادة الغولة التي قادتهما إلى دارها، وقدمت لهما طعام العشاء الفاخر، أكلا وشبعا أخذتهما إلى غرفة النوم حيث استسلم باسم لرقاد طويل. بينما أخوه الأكبر عاصم غرق في تفكير عميق بحثا عن وسيلة تمكنه من الهرب من بيت هذه الغولة المخيفة.

في صباح اليوم التالي، قدّمت لهما الغولة طعام الفطور وهي جالسة بالقرب منهما. فقال لها عاصم: أرى يا عمتي أنك تحبين كثيرا هذا الحصان الأسود، أليس كذلك؟ قالت: فعلا إنه الجواد المفضل عندي. قال: إذا، إن كنت تحبينه فلا تطعميه سوى الفحم لأن في ذلك ما يبعد عنه كل الأمراض التي تفتك بالحيوانات.

صدّقت الغولة كلام عاصم، فراحت تطعم جوادها الأسود الفحم.. أما عاصم فأخذ يطعم الحصان قطع السكر، فأحبه الحصان وأصبح صديقه الحميم..

لاحظ عاصم أن الغولة تنام دائما عند مدخل دارها، فقال لها: يا عمتي، أنت لا تغمضين عينيك ليلاً ولا نهاراً، فكيف أعرف أنك نائمة، حتى لا أزعجك في أثناء نومك؟ فأجابته: عندما أنام، فإن الحيوانات التي أبتلعها في النهار تتحرك في بطني وتبدأ في الصياح.

أدرك عاصم أنه وجد الطريقة المناسبة للهرب.. وعندما سمع أصوات الحيوانات تنبعث من بطن الغولة، أيقظ أخاه، وذهبا خلسة إلى الاسطبل حيث كان الحصان الأسود ينتظر صديقه كل ليلة، فقفز إلى ظهره وخلفه أخوه، وانطلق بهما الجواد يسابق الريح بينما كانت الغولة نائمة تصيح الحيوانات في بطنها.

كانت الأم في قلق واضطراب منذ غادر ولداها عاصم وباسم المنزل وتركاها وحيدة. فكانت لا تعرف للنوم طعما، ولا لراحة البال سبيلاّ. صحيح أنها حزنت لأن الأرض لم تفلح، ولكن حزنها لغياب ولديها كان أكبر.

عندما دقا عليها الباب ليلا، فتحت لهما والفرح يملأ قلبها، فارتمى الولدان في حضنها يبكيان فرحا وخجلا. ومنذ ذلك الحين وهما يعملان في الحقل بجد ونشاط، ويجنيان ثمر أتعابهما خيرا وبركة.

القصة التالية - قصة القنفذ وخلد البطلان
[next]



البطلان: قنفـذ وخلـد
قصة القنفذ وخلد البطلان


قالت الرّاوية: حكاية اليوم تتناول مشكلةً قامت بين بطلين، هُما قنفذ وخلد.

كان القنفذ يتنزّه في الحقل حين شاهد أكوامًا صغيرةً من التّراب النّاعم الأملس.

قال القُنفذ: غريب! ما هذا التّراب؟ أسمع حفيفًا واهيًا قريبًا منّي. هه! مَن هذا الحيوان الصّغير الذي يحفر الأرض ويدفع التّراب بقوائمه ويقيم كومةً من التّراب جديدة؟

وجاء صوت الخلد: سه، سه، سه!

فصرخ القنفذ: مَن أنتَ يا مُسَأسِئ؟

أجاب الخلد: قُل لي مَن أنتَ أوّلاً لأقول لك من أنا ثانيًا؟

حسنًا. أنا القُنفذ، وأنتَ؟

وأنا الخلد، اسمي الخلد. ألَم تسمع بالخلد من قبل يا حضرة القُنفذ؟

فقال القنفذ: كم أنتَ رقيق وممتاز. أنا نادمٌ لأنّي لم أتعلّم أن أحفر بنفسي في التراب مثلك. والحقيقةُ أنّي لم أشاهد في حياتي كلّها خلدًا.

قال الخلدُ ضاحكًا: شكرًا لك على ثَنائك. والآن بعد أن شاهَدتَني أصبحتَ تعرف الخلد؟

نعم، وليَ الشّرف بذلك.

صاح الخلد: أخجَلَك تواضعي!

قال القنفذ: سأجلس هنا بالقرب من أوكارك وأرى كيف تقوم بالحفر وقلب التراب وتكديسه في أكوامٍ صغيرةٍ.

أهلاً وسهلاً، أهلاً وسهلاً. تفضّل، تفضّل. هل لك يا صاحبي القُنفذ أن تشرب فنجانًا من القهوة؟

لا شكرًا، بالأفراح.

ما بالك يا صاحبي الخلد؟

خطَرَت على بالي فكرة.

فكرة ؟ أيّة فكرة؟

ما رأيك أيها الصديق العزيز؟

رأيي؟ بماذا؟

أن نكونَ شريكَين معًا في زراعة القمح؟

شريكَين في زراعة القمح؟

بالضبط يا رفيقي. فأنا أملك حقلاً واسعًا، ولكنّي لا أجيد الحفر والحراثة وقلب التربة مثلك.

هه. هه، بدأت أفهم.

مُمتاز إذن. أنت يا عزيزي الخلد تحرث الأرض وأنا أبذرها وأتعهّدها بالسقاية والعناية. وسيكون عندنا بعد ذلك إنتاج وفير نتقاسمه بالتّساوي.
هاه...

هه! ماذا؟ لم تبد لي رأيك؟

موافق، موافق. هات يدك يا صديقي القنفذ نتصافح عربونًا للإخلاص والمحبّة والوفاء.

شدّ علي يديّ كما أشدّ على يدك.

يا صديقي أنا أعاهدك.

وأنا أعاهدك.

حرثَ الخلد الأرض بدقةٍ واهتمامٍ. وبعد أن بذر القنفذ القمح، أعاد الخلد حراثة الأرض مُجدَدًا حتّى تمكّن من طمر جميع البذور في التراب. وراح الإثنان ينتظران.

سأل الخلد: والآن أيها القنفذ العزيز، ماذا ستفعل؟

فأجابه القنفذ: سأهتمّ بالمزرعة، وأعتني بسقايتها وتعشيبها وحمايتها من فئران الحقول.

حسناً تفعل، وأنا أساعدك أيضًا.

طبعًا. فغدًا سينمو القمح، وستكون سنابله كثيرة وغنية بالحبوب.

وعندها سيكون نصيبُ كلّ منّا وفيرًا.

طبعًا، طبعًا.

كان الموسم وافرًا. وتعهّد القنفذ حصاده وجمعه أكداسًا كبيرةً، ثم درس القمح وذرّاه فصار كحبّات اللّؤلؤ. وحان أوان اقتسام المحصول.

قال الخلد: أرأيت ما أوفر الموسم؟

فأجابه القنفذ: طبعًا، طبعًا؟

هيا، هيا نقتسم الغلّة.

حاضر، حاضر.

ماذا تنتظر؟ هيا نقتسم، نصف الغلّة لي، ونصفها لك.

دعها للغد، وإن غدًا لناظره قريبٌ.

إذًا صباحًا نقتسم الغلّة.

ألم تسمع ما قلتُ؟

قلتَ غدًا.

وقلت أيضًا إنّ غدًا لناظره قريبٌ.

فكّرَ الخلد: إن غدًا لناظره قريب؟ ماذا يعني؟

قال القنفذ لنفسه: لِمَ يكون الخلد شريكي؟ ألم أعمل أكثر منه؟ إنّه لا يستحقّ نصف المحصول. أنا تعبتُ أكثر منه. يجب أن آخذ حصةً أكبر. وماذا يستطيع الخلد أن يفعل إن أخذتُ أكثر؟ فأنا عندي أشواك كثيرة حادّة تلفّ جسمي، أستطيع أن أقذفه بها وأحمي نفسي منه إن أراد أن يقاتلني. فلأذهب إلى الحقل وآخذ نصيبي.

وفي الحقل كان الخلد ينتظر من قَبل الفجر.

أراك جئتَ مبكرًا يا صديقي القنفذ؟

فكّر القنفذ لنفسه: ما به سبقني إلى الحقل؟ - ثم قال بصوتٍ عاديٍّ: جئتُ للإقتسام.

هيّا! باشر.

لماذا نتعب أنفسنا يا خلدي الجميل؟ سأعطيك حصّتك الآن، هذه حصّتك.

ماذا؟ حصّتي؟ حصتي؟ هذه حصتي؟ أراك أعطيتني كومةً صغيرةً وأبقيتً كلّ الغلّة لكَ.

طبعًا. فأنا اعتنيت بالموسم من أوّله إلى آخره.

وأنا حفرتُ الأرض وساعدتُك.

هذه حصّتك يا خلد وكفى!

ولكنّنا اشتركنا معًا على أساس أن يكون النّصف لي والنصف الآخر لك.

هذه حصّتك، وافعل ما تشاء!

أنا لا أقبل بهذا! لا، لا، لا أقبل.

لا تقبل؟ أنت حُر. هذا ما لك عندي. خذه وامش.

ما هذا الكلام يا قنفذ؟

هذا الكلام لكَ.

أنت لصّ خسيس ودنيء.

اسكت يا خلد وإلاّ لن تعرف ما يحلّ بك!

ماذا يحلّ بي؟

صاح القُنفذ: أقذفك بشوكي.

فأجابه الخلد: اسمع يا صاحبي. لم النّزاع؟ نرفع قضيتنا إلى الثعلب. فهو قد أقام مَحكمةً للنّظر في قضايا المظلومين، وما يقول نعمل به.

حسنًا. فلنذهب إلى الثّعلب.

ضحك الثعلب طويلاً، وقال: نعم، نعم، فهمتُ. هل لأيٍّ منكما أن يقول شيئًا آخر؟

قال الخلد: أريد حصّتي كاملةً.

وقال القنفذ: أنا تعبتُ وأريد نصيبي.

حسنًا، قال الثّعلب، دعاني أفكّر بالأمر، كي أصل بكما إلى حلٍ عادلٍ يرضيكما معًا. اذهبا الآن . غدًا في مثل هذا الوقت، نلتقي معًا في الحقل.

وجاء حكم الثعلب في الغد، فقال للقنفذ: أيّها القنفذ المسكين! لقد تعبتَ كثيرًا وبذلتَ مجهودًا كبيرًا تستحقّ المكافأة عليه. وحقٌ لك أن تستريح من عناء العمل الشّاق. فقد حصلتَ من جرّاء دراسة القمح وتذريته على قشٍ وتبنٍ كثير، تستفيد منه في بناء أكثر من بيتٍ لك، وفي صنع فرش عديدة تحميك شر البرد، وتوفّر لك الرّاحة والنّعيم الدائم. فكُلّ القش والتبن لك وحدك، لا يحقّ للخلد مشاركتك فيهما.

وقال للخلد: أمّا أنتَ أيّها الخلد الطّيب، فإنّك لستَ بحاجة إلى شيءٍ من القش والتبن. إنك بحاجةٍ إلى غذاءٍ يحميك من الجوع، تختزنه في بيتك لوقت الحاجة. خُذ هذه حفنة من حبّات القمح أمانًا لك من الجوع والفقر.

وأضاف الثعلب: أمّا أنا فسأكتفي بما تبقى من حبّات القمح هنا كأجرٍ لأتعابي في إحلال السّلام بينكما.

تساءل الخلد: يعني... لن يصيبنا شيء من قمحنا؟

وقال القنفذ: وتَعَبنا؟

فأجابهما الثعلب: هذا هو حكم الثعلب.

نظر الخلد إلى صديقه القنفذ وقال له: أرأيتَ؟ أرأيتَ ما حلّ بنا بسبب طَمعك؟

فأجاب القنفذ: أنتَ لم تقبل بما اخترتُ أنا.

ضحك الخلد وقال: ما أحلى ظلم القنفذ! إنّه خيرٌ ألف مرّةٍ من حكم الثعلب!

بينما تحسّر القنفذ على ما خسِر وقال: آه! ما ضَرّني لو لم أطمع وأستولي على حصّتي وحصّة شريكي!!


القصة التالية - قصة الفيل الصغير
[next]



الفيل الصغير
قصة الفيل الصغير



في بلاد الفيلة، شعرت فيلة أن ابنها الصغير يمتنع عن الطعام. خافت عليه كثيراً ونادته: " تعال... تعال يا فيلي الصغير. تعال كل هذا الطبق اللذيذ يا حبيبي. طبخته لك خصيصاً يا حبيبي...

أجابها الصغير: لا لن أضع في فمي شيئاً منه، بل أريد موزاً.

حسنا. هذا موز. خذ كل، كل ما تشاء.

لا لن آكل شيئا.

ما بك يا بني؟ طلبت موزا، فقدمت لك الموز.

لا، لا أنا أريد موزا.

هذا موز يا صغيري،خذ وكل.

هذا موز أصفر.

كل الموز أصفر يا حبيبي.

أنا أريد موزا أحمر.

ليس هناك موز أحمر يا ولدي، خذ وكل .

أصرّ الصغير قائلاً لا ،لا،لا أريد موزا أصفر، أريد موزا أحمر، أريد موزا أحمر.

فأجابته أمه: من أين آتيك بالموز الأحمر؟ في الدنيا كلها لا يوجد موز أحمر. خذ يا حبيبي كل. كل...فيه الصحة والعافية.
لا،لا لن آكل إلا الموز الأحمر.

غضبت الأم وصاحت: إسمع! ستأكل هذا الموز وإلا....!

لا ، لا لن آكل إلاّ الموز الأحمر.

وقعت الأم الفيلة في حيرة، ماذا تفعل؟ إنها تريد أن يأكل ابنها، وليس في الدنيا كلها موز أحمر، وتشاورت مع زوجها الفيل الكبير وقالت له: ماذا نفعل؟ من أين نحضر للصغير موزا أحمر؟

أجابها الزوج: المسألة في غاية البساطة. نحضر موزاً ونطليه باللون الأحمر.

فرحت الأم وقالت: فكرة رائعة يا زوجي العزيز، إنك حقا فيل ذكي.

أحضرت الأم دهاناً أحمر وطلت الموزة به وقالت لابنها: تعال يا حبيبي. هذا موز أحمر. تعال! أسرع, أسرع!

صحيح؟ أين الموز الأحمر؟ هاتي! سأرى. هاه...لا ، لا يا أمي. هذه موزة عادية مطلية باللون الأحمر.

أنت طلبت موزاً أحمر، وهذا هو الموز الأحمر أمامك، قالت الأم بصبر.

لا، لا . أريد موزاً أحمر حقيقياً، هذا موز أنتم دهنتموه باللون الأحمر.

غضبت الأم وقالت: أقول لك كل وإلاّ....

لا، لا لن آكل، أريد موزاً أحمر.... أريد موزاً أحمر..

ازدادت الأم الفيلة حيرة مرة أخرى. ابنها الصغير يرفض أن يأكل شيئا ويريد موزا أحمر. فما العمل ؟

لجأت إلى زوجها وقالت: ما العمل يا زوجي؟ ما العمل أيها الفيل الكبير، يا والد الفيل الصغير..

أجاب الفيل: عجيب! عجيب!! دهنّا الموز باللون الأحمر فلم تنطل عليه الحيلة. ما العمل ما العمل؟؟ سأبحث معه في الأمر.

ذهب الأب إلى أخيه وأطلعه على الأمر.
ضحك العم ثم قال: " هكذا قال صغيرك يا أخي؟ لن يأكل غير الموز الأحمر؟ دع الأمر لي. أنا سأتحدث إليه في القضية. دع الأمرر لي، لا عليك"

سُمع صوت قرع على الباب في بيت الفيل الكبير، فنادى الفيل الصغير: من؟

أنا الفيل العم.... أين ابن أخي؟

أجابت الفيلة: أهلاً وسهلاً.. تفضل .. تعال يا بني الصغير. جاء العم الفيل يريد أن يراك .

أنا لا أريد شيئاً. أريد موزاً أحمر، قال الفيل الصغير.

ضحك العم وقال: فعلاً. أنا جئت خصيصاً لأحضر لك الموز الأحمر.

صحيح؟ أحقا يا عمي؟

نعم، نعم.

أين الموز الأحمر يا عمي؟

فأجابه العم: إن من طلب شيئا عليه أن يسعى للحصول عليه.

ماذا؟ لم أفهم يا عمي.

أقول يا صغيري... أن من طلب شيئاً، عليه أن يسعى للحصول عليه .

قال الصغير متعجباً: كيف؟

أعني أنت إن طلبت قطعة من الحلوى، عليك أن تذهب إلى بائع الحلوى وتحضرها من عنده .

وقال الصغير: وإذا أردت لوحاً من الشوكولاته، ذهبت إلى البقال وأحضرته من عنده.

فأجاب العم: ودفعت ثمنه.

نعم. نعم.. هذا صحيح يا عمي.

وأنت الآن تريد موزاً أحمر.

طبعاً. كم ثمنه؟

ثمنه أن تسعى إلى الموز الأحمر، وهناك تقطفه وتعود.

أنا حاضر يا عمي. هيّا بنا.

ولكن مكان الموز الأحمر بعيد... بعيد ... قال العم.

بعيد؟

نعم. وعلينا أن نسير على أقدامنا مسافة طويلة لنصل.

حسناً. أنا جائع وأريد أن آكل موزاً أحمر.

طالت الطريق على الصغير فصاح: آخ...عمي... متى سنصل؟ تعبت جداً.. نحن نسير منذ الصباح، وقد أشرفت الشمس على المغيب!
أجابه العم: طبعاً يا حبيبي. من طلب شيئاً نادراً، عليه أن يتحمّل المشاق للوصول إليه.

آه ... هل ما زال المكان بعيداً؟ صاح الصغير.

لا، لا يا ابن أخي، أنظر هناك... عند الأفق أشجار الموز...

قال الصغير فرحاً: نعم، نعم، آه إنها أشجار الموز.

وهناك أعتقد أننا سنجد بعض الموز الأحمر قال العم.

بعض الموز الأحمر؟

نعم يا صغيري! فالموز الأحمر نادر جدا. هيّا أسرع، أسرع لنصل قبل غروب الشمس.

ولكني يا عمي لا أقوى على المشي، وأنا جائع، لقد تعبت حقا.

قال العم: خذ، كل لقمة من هذا الزاد الذي أحمله معي.

أجاب الصغير: لا لن آكل. أريد موزاً أحمر.

سنصل عما قريب.

أوه! أوه!... كم أنا سعيد! سنصل! سنصل!

وفعلاً وصل الفيل العم ومعه الفيل الصغير مرهق تعب.

صاح الصغير: آخ... آخ... أين الموز الأحمر يا عمي؟

أجاب العم: سنبحث يا صغيري. هيا ابحث معي.

اعترض الصغير: ولكن كل الموز المتدلي من الشجر هنا أخضر.

فأوضح له العم أن الأخضر موز لم ينضج بعد.

وهناك موز أصفر. قال الصغير.

والأصفر موز ناضج. هيا كل موزة.

لا. أريد موزاً أحمر.

مهلاً، سنبحث. سنبحث .. قال العم.

هاه، هناك قرط موز أصفر وفيه موزة!

نعم.. نعم. إنها الموزة التي نبحث عنها. إنها موزة حمراء.

صاح الصغير: هاه، سأقطفها.

فقال العم: افعل يا صغيري.

سأقشرها وآكلها.

أسرع.
هم. هم ..... (وهو يأكل ).

هل أعجبتك الموزة الحمراء يا صغيري؟

بكى الصغير.

فقال العم: ما بك تبكي يا صغيري؟

الموزة فاسدة، وطعمها كريه أجاب الصغير.

فقال العم: الآن فهمت يا صغيري ما قلناه لك إنه لا يوجد في الدنيا كلها موز أحمر.

الموز الأحمر هو الموز الفاسد الذي يقتم لونه ثم يدكن حتى يصبح مهترئا.

إذن لا موز أحمر؟

لا موز أحمر.

وأنا كنت مخطئاً؟

كنت مخطئاً ومعانداً ولم تقتنع.

فسأل الصغير: فلماذا إذن أحضرتني إلى هنا؟

لكي تلمس بنفسك أنه لا يوجد موز أحمر في الدنيا يا صغيري، أوضح العم.

أوه.... كم أنا جائع!

جائع وغلطان.

أريد أن آكل.

أمامك الموز الأصفر، فكل ما تريد وإياك أن تطلب المستحيل.

ذاق الصغير الموز وهمهم: آه ما أطيب الموز! ما أطيب الموز!!!


القصة التالية - قصة الثعلب والطبل
[next]


الثّعلب والطبل
قصة الثعلب والطبل


زعموا أنّ ثعلبًا أتى أجمة فيها طبل معلّق على شجرةٍ، وكلّما هبت الريح على قضبان الشجرة حركتها،

فضربت الطبل، فسُمِعَ له صوت عظيم. فتوجّه الثعلب نحوه، فلما أتاه وجده ضخمًا، 

فأيقن بكثرة الشحم واللحم، فعالجه حتى شقه. فلما رآه أجوف، 

لا شيء فيه، قال: لا أدري... ربّما كانت أتفه الأشياء أجهرها صوتًا وأعظمها جثةً.


القصة التالية - قصة العصفور والارنب والقط الصوام
[next]



العصفور والأرنب والقط الصوام
قصة العصفور والارنب والقط الصوام

قال الغراب: كان لي جار من العصافير في سفح جبلٍ، وحجره قريب من الشّجرة التي فيها وِكرِي. فكان يكثر التقاؤنا ومواصلتنا. ثم غاب وطالت غيبته حتّى ظننتُ أنّه قد هلك. فجاءت أرنب إلى مكان العصفور ولبثت في ذلك المكان زمانًا، ثم إنّ العصفور رجع إلى مكانه. فلمّا وجد الأرنب فيه، قال: هذا مكاني فانطلقي عنه.

قالت الأرنب: المَسكن في يديّ وأنتَ المُدّعي، فإنّ كان لك حق فاشتك عليّ.

قال العصفور: المكان مكاني، ويمكنني إثبات ذلك.

قالت الأرنب: نحتجّ إلى القاضي.

قال العصفور: إنّ قريبًا منا على شاطئ البحر قطًا مُتعبّدًا يُصلّي النّهار كلّه، لا يؤذي دابةً ولا يريق دمًا ويصوم الدّهر ولا يفطر، عيشه من العشب وورق الأشجار. فاذهبي اللّيلة إليه لأحاكمك.

قالت الأرنب: نعم..

فانطلقا كلاهما وتبعتهما لأنظر إلى الصّوام العابد الزّاهد وإلى قضائه بينهما. فلمّا صارا إلى القط، قصّا عليه قصتهما.

فقال القطّ: أدرَكَني الكبر وضعف البصر وثقلت أذناي فما أكاد أن أسمع، فادنوا مني فأسمعاني عن قرب.

فأعادا القصة، فقال: قد فهمتُ ما قصصتما وأنا أبدأ بنصحكما قبل القضية. فلا تطلبا إلاّ الحق. فإنّ طالب الحق هو الذي يفلح وليس لمخلوقٍ من دنياه شيء إلاّ عمل صالح قدّمه. وصار يقصّ عليهما القصص ويقدم لهما من النصائح حتى استأنسا به وأخذا يدنوان منه، ولمّا صارا قريبين منه وَثَب عليهما فضمهما إليه فقتلهما كليهما.


القصة التالية - قصة الغراب والحمامة والجرذ
[next]



الغراب والحمامة والجرذ
قصة الغراب والحمامة والجرذ


زعموا أنّه كان في أحد البلدان مكان كثير الصّيد يتصيّد فيه الصيّادون، وكان في ذلك المكان شجرة عظيمة كبيرة الغصون ملتفّة الورق وكان فيها وكر غراب.

وبينما كان الغراب ذات يومٍ على الشّجرة إذ أبصر رجلاً من الصيادين، قبيح المنظر سيىء الحال على كتفه شبكة وفي يده عصا، مُقبلا نحو الشّجرة. فذعر منه الغراب وقال: لقد ساق هذا الرجل إلى هذا المكان أمر، فسأنظر ماذا يصنع.

أقبل الصّياد فنصب شبكته ونثر حبّه وكمن في مكانٍ قريبٍ.. فلم يلبث إلاّ قليلاً حتّى مرّت به حمامة، يُقال لها المطوّقة، وكانت سيدة حمام كثير وهُنّ معها. فأبصرت المطوقة وسربها الحَب ولم يبصرن الشّرك (الشبكة) فوقعن فيها جميعًا. ثم أقبل الصّياد إليهن مسرعًا فرحًا بهنّ.

وانفردت كلّ حمامةٍ منهن عن ناحيتها تعالج نفسها لتفرّ، فقالت لهن المُطوّقة: "لا تتخاذلن في المعالجة ولا تكنّ نفس واحدة منكنّ أهمّ إليها من نفس صاحباتها. فلنتعاون جميعًا لعلّنا نقتلع الشّرك فينجي بعضنا بعضًا".

ففعلن ذلك واقتلعن الشّرك فطرن به في السماء وتبعهن الصّياد وظنّ أنّهن سيتعَبن بعد قليلٍ لثقل الشّرك فيقعن.

فقال الغراب: "سأتبعهن حتّى أعرف ما يصير إليه أمرهنّ وأمر الصّياد".

ورأت المطوّقة الصياد يتبعهن. فقالت لصواحبها: "إنّ الصّياد جادّ في طلبكن، فإن طرتن في الفضاء لن تخفين عليه، ولكن توجّهن إلى الخير والعمران فإنه لن يلبث أن يخفى عليه مكانكن فييأس منكن وينصرف. وأنا أعرف مكانًا قريبًا من العمران والرّيف فيه جحر جرذ وهو صديق لي، فلو انتهينا إليه قطع عنّا هذا الشرك وأراحنا من شره".

فتوجّهن حيث قالت المطوّقة، فخفين على الصياد ويئس منهن وانصرف. أما الغراب فلم ينصرف، بل أراد أن ينظر حيلتهن التي سيحتلنها للخروج من الشرك فيتعلمها وتكون له عدّة لأمر إن كان.

ولمّا وصلت المطوّقة بهنّ إلى حجر الجرذ، أمرت الحمام بالهبوط، فهبطن، ووجدن حول الجرذ مئة ثقب أعدّها للمخاوف، وكان مجرّبا للأمور داهية.

نادته المطوّقة بإسمه، فسألها الجرذ: "من أنتِ؟"

قالت: "أنا صديقتك المطوّقة". فأقبل إليها مسرعًا. فلمّا رآها في الشّرك، قال لها: "ما أوقعك في هذه المشكلة وأنتِ من الذّكيات؟"

قالت المطوقة: "أنتَ لا تعرف ما يفعل الجهل في عقل المرء؟ لقد أوقعني الغباء في هذه المشكلة، وهو الذي رغّبني في الحَب وأعمى بصري عن الشّرك حتّى وقعتُ فيه أنا وأصحابي. وليس أمري وقلّة امتناعي عن مصائب الدهر بعجيب، فقد لا ينجو منها مَن هو أقوى منّي وأعظم شأنًا. فقد تصطاد الحيتان في البحر ويصطاد الطّير في الهواء".

أخذ الجرذ بقرض العقد التي كانت فيها المطوّقة. فقالت له المطوقة: "إبدأ بعقد صواحبي ثم أقبِل على عُقَدي". فأعادت عليه القول مرارًا. كلّ ذلك والجرذ لا يلتفت إلى قولها. ثم قال لها: "قد كرّرتِ هذا الكلام عليّ مرارًا كأنّك ليست لك بنفسك رحمة، ولا ترين لها حقًا".

فقالت المُطوّقة: "لا تلمني على ما أمرتك به، فإنّه لم يحملني على ذلك إلاّ أنّي تكلّفتُ الرّئاسة على هؤلاء الحمام، فلذلك لهن عليّ حق، وقد أدين لي حقّي في الطاعة والنّصيحة، وطاعتهن ومعونتهن نجّانا الله من صاحب الشّرك. وتخوّفت إن أنتَ بدأتَ بقطع عقدي أن تملّ وتكسل عند فراغك من ذلك عن بعض ما بقي من عُقَدٍ لهن. وعرفتُ أنّك إن بدأت بهنّ وكنتُ أنا الأخيرة أنّك لا ترضى وإن أدركك الفتور والملل، لن تدع معالجة قطع وثاقي عنّي".

قال الجرذ: "وهذا ما يزيد أهل المودّة لك والرغبة فيه رغبةً وودًا".

ثم أخذ الجرذ في قرض الشّبكة حتى فرغ منها، وانطلقت المطوّقة وحمامها إلى مكانهنّ راجعات آمنات.


القصة التالية - قصة القبرة والفيل
[next]



القبرة والفيل
قصة القبرة والفيل


حُكِيَ أنّ قبرةً اتّخذت حفرة في الأرض تضع فيها بيضها، وباضت على طريق الفيل الذي كان يمرّ إلى مشربٍ يتردّدُ إليه.

فلمّا رأت ما حدث، عَلِمَت أنّ ما أصابها من الفيل لا مِن غيره. فطارت وحطّت على رأسه باكيةً، ثم قالت: "أيّها الملك! لِمَ همشتَ بيضي وقتلت فراخي؟ هل فعلتَ هذا استصغارًا لأمري واحتقارًا لشأني؟"

قال: "نعم... ذاك هو الذي حَملني على ذلك".

فتركته وذهبت إلى جماعة الطّير، فشكَت إليهنّ ما نالها من الفيل، فقلن لها: "وماذا نستطيع أن نعمل له ونحن طيورًا، لا حول ولا قوّة لنا!؟!". فقالت للعقائق والغربان: "أحبّ منكن أن تأتين معي إليه فتفقأن عينيه، وبعد ذلك أحتالُ له بحيلةٍ أخرى". فأجبنها إلى ذلك، وذهبن إلى الفيل، فلم يزلن ينقرن عينيه حتى ذهبت بهما، وبقي لا يهتدي إلى طريق مطعمه ومشربه إلاّ ما يجده على وجه الأرض قريبًا منه.

ولمّا صار على هذه الحال، جاءت القُبرة إلى غديرٍ فيه ضفادع كثيرة فشكت إليهنّ ما نالها من الفيل. قالت الضّفادع: "ما حيلتنا نحن أمام عِظَم الفيل؟ وأين نبلغ منه؟"

قالت: "أحبّ منكن أن تذهبن إلى هوّةٍ قريبةٍ منه، فتُنقنِقن فيها وتضججن، فإنّه إذا سمع أصواتكن لم يشك في الماء، فيهوي فيها".

فأجبنها على ذلك، واجتمعن في الحفرة. وسمع الفيل نقيق الضّفادع وقد استبدّ به العطش، فأقبل، فوقع في الحفرة، وأشرف على الهلاك.

جاءت القبرة تُرفرف على رأسه، وقالت: "أيّها الطاغي المُغتر بقوّته، المُحتقر لأمري! كيف رأيت عظم حيلتي مع صغر جثّتي عند عظم جثّتك وصغر همتك؟" أفلم تسمع بالقول المأثور: "إنّ البعوضة تُدمي مُقلة الأسد"؟



القصة التالية - قصة البطتان والسلحفاة
[next]



البطّتان والسلحفاة
قصة البطتان والسلحفاة


زعموا أنّ غديرًا كان عنده عشب وفيه بطّتان. وكان في الغدير سلحفاة بينها وبين البطتين مودّة وصداقة.

فحدث أن غيض ذلك الماء، فجاءت البطتان لوداع السّلحفاة وقالتا: "السّلام عليك. إنّنا ذاهبتان عن هذا المكان بسبب نقص الماء عنه".

فقالت: إنّما يبيّن نقص الماء على مثلي. فأنا كسفينة لا أقدر على العيش إلاّ بالماء. أمّا أنتما فتقدران على العيش حيث كُنتما، فاذهبا بي معكما.

قالتا لها: نعم.

قالت: وكيف السّبيل إلى حملي؟

قالتا: نأخذ بطرفيّ عود وتتعلّقين بوسطه، ونطير بك إلى الجو، وإيّاك إذا سمعت النّاس يتكلّمون أن تنطقي.

فأخذتاها فطارتا بها في الجوّ.

فقال النّاس: عجيب،‍ سلحفاة بين بطّتين قد حملتاها!

فلمّا سمعت السلحفاة ذلك، قالت: فقأ الله أعينكم أيّها النّاس!

فلمّا فتحت فاها بالنّطق وقعت على الأرض، فماتت.


القصة التالية - قصة الثعلب والدب والذئب
[next]



الثّعلب والدّب والذئب

قصة الثعلب والدب والذئب


تحت ظلالٍ وارفةٍ في غابةٍ من الغابات، وبين مجاري المياه والسّفوح الخضراء، تآلف ثعلب وذئب ودب. عاش كلّ منهم حياةً جميلةً هادئةً، لما كان بينهم من حُبٍ واتّفاق وتعاون. وغالبًا ما كان الأصدقاء الثلاثة يمضون النّهار معًا، ويتجوّلون في أنحاء الغابة بحثًا عن الطّعام وطلبًا للعب.

وفي يومٍ من الأيام، وبينما كان الثلاثة جالسين عند ضفّة النهر، يرمون المياه الجارية بالحصى، قال الثعلب: أفكر في أمرٍ أظنّ أنّه سيعجبكما.
فقال الذئب: وما هو هذا الأمر الذي تفكّر به يا صديقي الثعلب؟ كنتَ دائما أيّها الثعلب الطّيب صاحبَ أفكارٍ جميلةٍ ومفيدةٍ. قُل لنا بماذاا تفكّر؟

فقال الثعلب: أفكّر لو وجدنا طريقةً نأكل بها الخبز.

ابتسم الذئب وقال: إنّها فكرة رائعة. الخبز طيّب، وأظنّ أن الثعلب لو فكّر قليلاً لَوَجَد الطّريقة، ونستطيع بها أن نتدبّر أمر الخبز ونأكل طعامًا طالما حلمنا به.

وهنا قال الدبّ: ليس هناك من طريقةٍ يا صديقي الثعلب لنحصل على الخبز.

فقال الثّعلب: أمّا أنت يا صديقي الذئب، فأظنّ أنّك لو بدأتَ بزرع القمح لسَهل علينا أمر توفير الخبز بعد ذلك. ثمّ قال للدبّ: أمّا أنت يا صديقي الدّب، فعليك أن تساعد الذّئب.

فقال الدبّ: وكيف أساعده؟

قال الثعلب: زراعة القمح تحتاجُ إلى سقاية القمح. أليس كذلك؟

صحيح! صحيح! قال الدّب.

فأردف الثعلب: إذن عليك أن تروي القمح بعد أن يزرعه الذّئب.

وهنا قال الذّئب: وأنتَ يا صديقي الثعلب، ماذا سيكون عملك؟

فقال الثعلب: إنّه عمل صعب، ولكن من أجل صداقتي لكما عليّ أن أتحمّل، ولو كان سيجعلني أسهر طيلة الليل.

ما هو عملك إذن؟ قال الدّب.

فقال الثعلب: "يجب أن أحرس القمح كلّ يومٍ طيلة الليل. هل توافقان؟ وكان أن وافق كلّ واحد من الثلاثة على العمل الذي سيقوم به.

جاء الذئب بالقمح، وبعد أن حرث الأرض، زرعه. ثم راح الدّب بعد ذلك يرويه بالماء الذي حفر له قناةً عبر الدّروب، وأوصله من النّهر إلى الحقل.

أمّا الثّعلب فكان كلّ ليلةٍ، ما إن يغفو كلّ من الدّب والذّئب بعد نهارٍ متعبٍ لهما جدًا، يستلقي عند شجرةٍ قريبةٍ من حقل القمح يتأمّل النّجوم والقمر ويسهر ما يحلو له السّهر، ثم يطبق جفنيه وينام طيلة اللّيل قرير العين.

ومع الأيّام، كبر القمح، فاخضرّ، ثم اصفرّ، ثم نضج. وكان منظره جميلاً جدًا، وهو يغطّي تراب الحقل كقطعةٍ ذهبيةٍ.

جمع الثّعلب الذئب والدّب وقال لهما: ها قد نضج القمح، وعلينا أن نفتّش عن طريقةٍ نحصده بها.

فقال الذئب: ألم تجد طريقةً سهلةً يا صديقي الثعلب؟ فإنّ زراعة القمح قد أتعبتني.

فقال الثعلب: صحيح، يجب أن نجد طريقةً تُريحنا نحن الثلاثة. اسمعا: أنتَ يا صديقي الدّب، عليك أن تروح وتجيء مرّات كثيرة فوق القمح ليصبح مساويًا للأرض. أمّا أنت يا صديقي الذئب، فعليك أن تساعد الدّب في هذا العمل. وأمّا أنا فسأختار العمل الشّاق، وهو أن أحرس لكما الطريق من أي قادمٍ يريد لنا الشّر. فوافق الجميع. وراح الدّب والذئب يدوسان القمح، بينما راح الثّعلب يذرع الدّروب ويأكل التين ويتلذّذ بالعنب من الكروم المُنتشرة قرب الحقل.

مرّت أيام ثلاثة دَرَس فيها الدّب والذئب السّنابل حتى أصبح القمح تبنًا وسوقًا وقمحًا. فجاء الثّعلبُ الذّئبَ والدّبَ وهو مُنشرح الصّدر وقال: يا لكما من عاملين مجتهدين،‍ لقد جاء وقت القسمة.

فقال الدّب: رأينا هو رأيك يا صديقي الثّعلب. أليس كذلك أيّها الذئب؟

فقال الذئب: صحيح، فإنّ الثعلب حكيم ويعرف كيف يتدبّر الأمر.

وهنا قال الثعلب: أمّا أنتَ يا صديقي الدّب، فتأخذ السّوق وهي مفيدة. وأمّا أنت يا صديقي الذّئب، فتأخذ التّبن، وستجد لذةً في أكله. ويبقى القمح فآخذه أنا، ويكون كلّ واحدٍ منّا قد أخذ حصّته من غير أن يُصاب أحد بغبنٍ. فوافق الثلاثة وأخذ كلّ منهم حصّته.

عندما وصل الذّئب إلى بيته، وبدأ يأكل التبن بعد أن ألحّ الجوع عليه، وَجد أنّ التبن لا يُؤكَل. وعندما وصل الدّب إلى بيته وبدأ يأكل السّوق، بعد أن ألحّ الجوع عليه، وجد أن السّوق ليس للأكل. أمّا الثّعلب فأخذ القمح إلى المطحنة وطحنه، وعاد بالطّحين إلى البيت وصَنَع منه عجينًا، وأشعل النار، وراح يخبز، حتّى إذا فرغ، جلس ليأكل وهو فرحان يضحك من بساطة الذّئب وغباء الدّب.

أمّا الدب والذئب، فقرّرا بعد أن اجتمعا، أن يذهبا إلى بيت الثّعلب ويعترضا على ما فعله معهما.

ولمّا دخلا عليه، وجداه وقد أعدّ الخبز وراح يأكل بلذّةٍ ونَهمٍ. فصرخ الدّب: إنّك كذّاب أيّها الثعلب. وصرخ الذّئب: لقد خنتني يا قليل الوفاء!

وهجم الإثنان على الأرغفة وبدآ الأكل. ثم عضّ الذئب الثّعلب في عنقه فراح يبكي. أمّا الدب فمدّ يدًا إلى الخبز وبدأ يأكل بنهمٍ، أمّا يده الثّانية فقد قبضت على ذنب الثّعلب وراحت تشدّ وتشدّ حتى بات صراخ الثّعلب يُسمَع في أرجاء الغابة.

بكى الثّعلب. أمّا الدّب والذئب فقرّرا أن يقتصّا من الثعلب بأن يذهب ويأتي بالسوق والتّبن ويشعل الفرن ويخبز ما تبقى من الطّحين ليأكلا منه بشهيةٍ أمامه من دون أن يطعماه أيّة لقمةٍ.

ندم الثّعلب. ولكن النّدم لم ينفع صاحبه في يومٍ... فقد "سبق السّيف العذل، ولاتَ ساعةَ مَندَمٍ".



القصة التالية - قصة العصفور صوصو
[next]

العصفور صوصو

قصة العصفور صوصو


أين عصفوري الصغير؟ تعال يا بني ... تعال.

نعم يا أمي, أنا هنا.

اسمع يا صوصو!

نعم يا أمي. ماذا تريدين.؟

ماذا أريد؟

أنا يا صوصو أريد أن أكون صريحة معك.

نعم يا أمي تفضلي.

ألاحظ في المدة الأخيرة أنك تريد أن تأخذ كل شيء لك، وتستأثر بكل شيء دون أن تفكر بأخوتك ولا بأهلك.

كيف ذلك يا أمي؟؟

مثلا: إذا وضعنا الطعام إلى المائدة, أخذت كل شيء لك دون أن تفكر أن هناك أمك يجب أن تأكل, أو أن أباك يريد أن يأكل أيضا وأن إخوتك جياع!..

أنا أحب الطعام.

كلنا نحب الطعام، ولكن يجب أن نفكر بالآخرين. أليس كذلك؟

صحيح.

وأن مثل هذا التصرف يجعلنا نفكر أن من يقوم بمثل هذه التصرفات هو مخلوق أناني لا يفكر إلا بنفسه.

طبعاً، يجب أن يفكر المخلوق بنفسه.

نعم، أنا لا أقول لا يا صوصو، ولكن من الضروري أن يفكر المخلوق بغيره أيضا.

حسناً! ماذا تريدين أن أفعل الآن؟

أريد منك أن تفكر بسواك أيضاً. هل فهمت يا صوصو؟

نعم يا أمي، فهمت.

أرجو ذلك يا حبيبي.

أقبل الأب متسائلاً: رأيتك اليوم صباحاً تتحدثين مع صوصو، فما كان موضوع الحديث يا زوجتي العزيزة؟

كنت أنبهه إلى أنه أناني، طمّاع، لا يفكر بسواه.

هذا ما استرعى انتباهي أمس. وضع طبق الطعام كله أمامه دون أن يفكر بأن هناك آخرين من العائلة يريدون أن يأكلوا أيضا.

ولماذا لم تنبهه إلى ذلك؟

للحقيقة أشفقت عليه، فقد رأيته جائعاً، فقلت: لا بأس، ليأكل هو، أمّا أنا وأنت فنكتفي بما على المائدة من خبز.

ولكن هذا لا يطاق، فقد نبّهته وحذّّرته من عواقب الأنانية.

حسنا فعلت. فأنا لا أحب أن يكون أولادي أنانيين، طمّاعين، يستأثرون بالأشياء دون غيرهم.

وعدني بأنه سيفكر بالآخرين.

ما دام قد وعد فلنمتحنه..

نمتحنه؟ ماذا ستفعل يا زوجي العزيز؟

سترين الآن. هذه كمية كبيرة من الفستق، سأرسلها إليه بالبريد على اعتبار أنها هدية له من جدّه.

وماذا في ذلك؟

سنرى تصرّفه يا زوجتي الكريمة.

سمع صوصو دقاً على الباب فسأل: من هناك؟

أنا ساعي البريد!

ساعي البريد؟ ماذا تريد؟

هل هنا بيت العصفور الصغير صوصو؟

نعم أنا صوصو، وهذا بيتنا.

خذ يا صوصو هذه الصرّة.

صرّة ؟ لمن ؟

لك أنت.

لي أنا؟ ممن؟

نعم. مكتوب عليها أنها من قريب.

أوه .... صرّة لي أنا؟ دون شك.. إنها من جدّي... هاتها.! هاتها ! ماذا فيها؟

لا أدري... افتحها لتعرف.

شكراً، شكراً يا ساعي البريد. مع السلامة. وقال لنفسه: ذهب ساعي البريد، فلأفتح الصرة، ولا أريد أحدا أن يراني.

فتح الصرة وصاح! آه ... فستق! فستق حلبي! ما أطيبه! وما أكرمك يا جدي! سآكل الفستق كله قبل أن يأتي أخي ويطلب أن أطعمه. آه ... ما أطيبه من فستق! الفستق طيّب, ولكنني أكلت كثيراً، وما زال عندي القليل منه. يجب أن آكله قبل أن يراني أحد.

دخل الأب, فرأى صوصو يلتهم الفستق فصاح به: ماذا تفعل يا صوصو؟

أبي؟ لا شيء... أتسلّى فوق الغصن.

ماذا تأكل يا صوصو؟

صوصو: أنا يا أبي؟ لا آكل شيئا. وجدت ورقة طرية على الغصن ... أكلتها.

أهذا كل شيء؟

نعم يا أبي.

بالصحة والعافية يا ولدي.

شكراً... شكراً يا أبي.

رأى أخو صوصو فستقاً وصاح: ترى من أين هذا الفستق؟ هناك حبة، اثنتان، ثلاث، أربع، خمس حبّات! وهناك أيضا حبة سادسة، فسابعة، فثامنة، فتاسعة، فعاشرة!

عشر حبّات من الفستق! ما أطيبها! صوصو، صوصو!.

من يناديني؟

أنا أخوك.

ما بك يا أخي؟

تعال ... تعال ! خذ مني حصتك!

ماذا آخذ؟

وجدت عشر حبات من الفستق الحلبي تحت هذا الغصن. إليك النصف، خمس حبات لك وخمس حبات لي.

لي أنا؟

نعم, لك أنت. كل... كل هنيئاً.

ما أطيبها من حبات!!

بكى صوصو وسمع الأخ صوت البكاء فقال: لماذا تبكي يا صوصو؟

وجاء صوت الأب ضاحكاً ويقول: نعم، يبكي يا بني... هذه الحبات من الفستق سقطت منه وهو يلتهم الصرة الكبيرة من الفستق التي وصلته بالبريد.

نعم، نعم، هذا صحيح قال صوصو. لقد سقطت مني فيما كنت آكل ما وصلني بالبريد، وكنت أريد أن آكلها وحدي قبل أن يشاركني بها أحد.

قال الأب: نعم، هذا ما فعله، فإذ أنت تلتقط ما سقط سهوا منه، وتفكر فيه قبل نفسك، وتريد أن تقاسمه ما وجدت. يا لك من ابن نبيل. أما صوصو!!

أسرع صوصو قائلاً: أنا آسف يا أبي. أنا آسف يا أخي. وأرجو أن تسامحاني. لن أكون أنانياً بعد الآن. صدّقوني، لن أكون.

وأجاب الأب: لست أدري ما أقول... ولكن يجب أن أسال والدتك أولاً. ماذا ترين يا زوجتي العزيزة؟ هل نصفح عنه ونسامحه؟

قالت الأم : إذا وعد أن يفكر بالآخرين فلا مانع...

أعدكم. صدّقوني. جاء جواب صوصو بعجل.

إذن لا بأس يا صوصو، قالت الأم.

نحن جميعا صفحنا عنك، قال الأب.

ثم قالت الأم: ولكن أباك هو الذي بعث إليك بصرة الفستق.

تعجب صوصو وصاح: أنت يا أبي بعثت لي بالصرة؟ يا لي من عصفور بسيط جاهل!! لقد تلقيتٌ درساً مفيداً بدّل مَجرى حياتي.. فشكراً لكم.. شكراً لكم.


القصة التالية - قصة العصفورة وفراخها
[next]


العصفورة وفراخها
قصة العصفورة وفراخها



1

تعوّدت اليمامة الرّمادية على زيارة حافّة الشّباك في صفّ طارق لأنّها شعرت بالأمان وبمحبّة الصّغار لها واهتمامهم بها. فهُم يحملون إليها الطّعام يوميًا.

وفي هذا اليوم، عندما عاد الصغار إلى صفّهم بعد انتهاء فسحة السّاعة العاشرة، فوجئوا باليمامة داخل الصّف. لقد رأت بعض الخبز على الأرض، فتشّجعت وقفزت إلى الدّاخل لإلتقاطها، فأسرع طارق وأمسك بها مُحقّقا بذلك أمنيته بأن يتحسّس ريشها النّاعم. وتحلّق الرّفاق حول طارق وكلّ منهم يحاول أن يأخذ اليمامة منه، وهي تضرب بجناحيها محاولةً التّخلص من يد طارق.

قالت المُعلّمة بحزمٍ: دعها يا طارق.

تَرَك طارق اليمامة، فطارت مُبتعدةً عبر النافذة.

تابعت المُدَرّسة قائلةً: أنتَ فتى طيب يا طارق، وكذلك كلكّم طيبون، والإنسان الطّيب لا يؤذي، بل يجب أن يكون رحيمًا مُحبًا يشفق على الضّعيف ويساعد المُحتاج، ولا يغدر بمن يطمأنّ إليه. والحيوانات والطّيور مخلوقاتٌ ضعيفةٌ. وهذه اليمامة قد لجأت إلينا واطمأنّت فلا يصحّ إخافتها.

قال طارق: أنا لم أقصد إخافتها أو إيذائها.

فأجابته المُعلّمة: لا بأس عليك يا طارق. اسمعوا يا صغاري هذه القصة التي جرت مع رجلٍ حكيمٍ.

كان الحكيم جالسًا بين أصحابه فجاءه رجل يلبس عباءةً وفي يده شيء يخبّئه في طرف عباءته، وقال: يا حكيم، كنت أمرّ بقرب مجموعةٍ من الأشجار فسمعتُ أصوات فراخ طير، فأخذتها من عشّها ووضعتها في عبائتي، فجاءت أمّ الفراخ وحامت فوق رأسي، فكشفت عباءتي عن فراخها الصّغار فحامت الأم فوق الفراخ ثم جلست فوقها فلففتها في عباءتي وها هي معي.
فقال الحكيم: ضعها هنا على الأرض.

فلمّا وضعها الرجل، كشف الحكيم الغطاء عنها، فرفضت الأم فراق صغارها، فقال الحكيم: أتعجبون لرحمة أمٍ بفراخها؟

قال أصحابه: نعم.

قال الحكيم: إنّ الله أرحم بعباده من أمّ الفراخ بفراخها. ثم أمرَ الرجل أن يرجع الفراخ وأمّها إلى حيث كانت.

قال طارق: أنا آسف فعلاً، ولكن هل ستسامحنا اليمامة؟ هل ستعود إلى حافّة صفّنا كعادتها؟

اتّفق الصغار مع المعلمة على إعادة الطّمأنينة إلى اليمامة الرّمادية، وقنِعوا بصداقتها لهم من بُعدٍ. فتابعوا وضع الحَبّ والخبز لها ووضعوا لها وعاء ماء لتشرب.

ويومًا بعد يومٍ عادت اليمامة تحطّ قليلاً، تنقر من الحَبّ ثم تطير. ولم يحاول أحدٌ من الصغار أن يقترب منها حتى لا يخيفها، فأَلِفَت اليمامة هذا المكان واطّمأنّت إلى أصدقائها. ومع اقتراب موعد عطلة الفصل الأوّل شغل فكر طارق ورفاقه سؤال هام: مَن سيهتّم باليمامة أثناء غيابهم؟ وإذا افتقدت اليمامة الطعام الذي كانت تجده على حافة شبّاك صفهم فهل تعود إليه؟

اقترحت المعلمة على الصّغار أن يحضروا كميةً من الذّرة تكون مؤونةً لليمامة طيلة غيابهم، على أن يتولّى العَم محمود، حارس المَدرَسَة، رشّ الحَب يوميًا لها على شباك صفّهم. وهكذا، وقبل مغادرة الأولاد المدرسة، توجّهوا مع المعلمة إلى العم محمود ليشرحوا له الأمر. استمع العم محمود إلى طلب الأولاد ثم قال، وقد ترقرقت الدّموع في عينيه: يا الله كم أنتم من الطّيبين أيّها الصغار، وأطمئنكم بأنّني لن أنسى أبدًا أن أرشّ الحَب لليمامة، وسأرشّه لها مرّتين في اليوم، صباحًا وبعد الظهر.
وشكرت المُعلّمة والأولاد العَم محمود، وودّعوه.

2

"ما رأيكم بصنع بيتٍ لليمامة؟"

اقتراح تقدّم به طارق ولاقى التّرحيب من الرّفاق والمعلمة، فأقبلوا على تنفيذه بنشاطٍ في ساعات الرّسم والأشغال اليدويّة. أسبوع مرّ وأصبح البيت جاهزًا. إنّه مصنوع من علبة بسكويت كرتونيّة، ومُلوّن بألوانٍ زاهيةٍ حمراء وصفراء، وقد جعل له الصّغار بابًا مفتوحًا. ووضعوا البيت على حافّة الشباك وبداخله قشّ وذرة وقمح.

أخذت اليمامة تتردّد على البيت الصغير، تنقر من الحب وتطير. وشيئًا فشيئًا أَلِفَت اليمامة بيتها الجديد، بل أصبح زوج حمام يتردّد على حافة الشباك، وبدأت اليمامة تبني لنفسها عشًا في البيت الجديد. فسعد الصغار بالبيت الذي صنعوه لليمامة، وبتردّد زوج اليمام معًا على شبّاك صفّهم.

ويومًا اكتشف الصغار ريشًا رماديًا متناثرًا على حافّة الشّباك، والذّرة لا تكاد تنقص شيئًا. قلق الصغار على صديقتهم اليمامة، وبخاصةٍ عندما لاحظوا ضمور جسمها وميله إلى الهزال بعد أن كان ممتلئًا. تساءل طارق قائلاً: أهي مريضة؟ أجاب مالك: أظنّها صائمة. سلحفاتي تصوم كلّ سنة.

المُعلمة: لا. اليمامة ليست صائمة، إنّها فقط تبدّل ريشها كطبيعة الطّيور في مثل هذا الوقت من كلّ عامٍ. وهي مثل كلّ الطيور، يقلّ أكلها في هذه المرحلة...

3

الصّغار واليمامة

لم يدم انتظار الأولاد طويلاً، فبعد ستّة عشر يومًا من احتضان اليمامة للبَيض، فوجئوا برؤية فرخين صغيرين في العشّ يغطّي جسميهما زغب رمادي. راقب الصغار اليمامة وهي تحتضن الفرخين تحت جناحيها، أو تطعمهما الحَب بمنقارها. وأعجبوا بها وهي تهمّ بالدفاع عنهما كلّما خَطَر للصّغار الإقتراب من العش، وقد شارك الوالد الأم في العناية بالصّغيرين، بإطعامهما أو بالدّفاع عنهما أو بتدريبهما على الطّيران عندما قوّيت أجنحتهما. لم يملّ الأولاد تأمّل زوج اليمام والفرخين الصغيرين، وأصبح الفرخان الصّغيران شغل الأولاد الشّاغل. وقد دفعتهم الرّحمة بهما إلى زيادة كميّة الحَب التي يحضّرونها يوميًا، وإلى تنافسهم في ملء وعاء الماء وتنظيف العش. لكن مشكلةً كبيرةً بدأت تواجههم: فعطلة الصيف التي اقتربت حَمَلت طارقًا على التّساؤل: تُرى هل أستطيع أن آخذ الفرخين معي إلى البيت فأضعهما في قفصٍ وأعتني بهما؟

إعترضت المعلمة قائلة: لا يا طارق. الصّغيران بحاجةٍ إلى أمّهما وأبيهما لتعليمهما كيف يأكلان، ولتدريبهما على الطيران. كما إن اليمام يحبّ الحريّة ولا يعيش في قفصٍ طوال الوقت.

ولكن مَن سيهتم بهما؟ مَن يضع لهما الماء والحَب كلّ يومٍ؟

سنطلب ذلك من العَم محمود، كما فعلنا سابقًا، أتذكرون؟

أخاف أن ينسى العم محمود ذلك، فتترك اليمامة حافّة شبّاكنا ولا تعود إليه أبدًا.

لتكن مشيئة الله يا أولادي.

وغادر الأولاد المدرسة لقضاء عطلة الصّيف وفي أذهانهم سؤال: أتراهم سيعودون ليجدوا اليمامة وفرخيها الصّغيرين على حافّة شباك الصف، أم تراها ستغادر المدرسة لتبحث عن الرّزق في مكانٍ آخرٍ يسوده الأمن والسلام؟!



القصة التالية - قصة القرد الصغير
[next]


القرد الصغير
قصة القرد الصغير


قال القرد الصغير لأمّه في حديقة الحيوانات: أمّي، أمي!

ما بك يا صغيري؟ ماذا تريد الآن؟

ماذا نفعل نحن هنا يا أمي؟ لماذا يغلقون علينا الباب في هذا القفص ويتركوننا بين قضبان الحديد؟

أسئلة! أسئلة! دائمًا أسئلة! ألا تعرف يا صغيري أنّنا قردة، يعني قرود، سعادين؟

نعم أعرف، أعرف.

وأنّنا هنا في حديقة الحيوانات وقد وضعونا في القفص موقّتًا . وبعد قليلٍ سيخرجوننا منه وسيضعوننا في قسم القرود ولن نكون مسجونين هناك؟ نعم، سنكون طليقين أحرارًا.

متى يا أمي؟ متى يحين ذلك الوقت لينقلونا إلى قسم القرود؟ لقد ضاق صدري في هذا القفص.

ها هو حارس قسم القرود. إنّه قادم ليخرجنا من هذا القفص.

وفعلاً أقبل الحارس ونقل القرد الصغير وأمّه إلى قسم القرود.

آه! ما أحلى الحرية! الحمد لله، أخرجونا من القفص. أمي! أمي!

ما بك الآن يا صغير؟ ألستَ مسرورًا لأنّنا خرجنا من القفص؟

جدًا جدًا، أنا مسرورٌ جدًا ولكنّني أريد أن أسأل: ما هذه الأشياء المُلوّنة؟

أين هي؟

هناك، هناك، حمراء، خضراء، صفراء.

أين هي؟ لم أفهم ما تقول.

هناك. أترين؟

آه، فهمت. إنها فاكهةٌ في بستانٍ.

فاكهة؟ ما معنى فاكهة يا أمي؟

الفاكهة مآكل طيّبة لذيذة. إنّها ثمار تنمو على الشّجر.

ثمار؟

نعم يا بُنيّ، نعم، تفّاح، إجاص، برتقال.

آه لو أستطيع يا أمّي أن أذهب وأذوقها.

ستأكل يا بني! ستأكل منها. لكن قُل لي: لماذا تقفز الآن؟

أقفز لكي أتعلّم كيف أتسلّق الشّجرة وآكل فاكهتها وثمارها.

ابق هنا يا صغيري وإلعب قليلاً ريثما أذهب وأحضر لك بعض الطّعام. فقد حان وقت الغذاء.

حسنًا تفعلينه يا أمّي، فأنا جائعٌ جدًا.

ولكن ينبغي ألاّ أوصيك يا صغيري. إيّاك أن تخرج من هنا. مفهوم؟

مفهوم، مفهوم.

مرةً أخرى أقول لك: أنا الآن ذاهبة. لا تستهتر بما قلته لك. إياك والإستهتار بكلامي.

مع السّلامة يا أمي. اطمئنّي، سأكون عند حُسن ظنّك، لن أستهتر. مع السّلامة.

ذهَبَت الأم وطال غيابها أكثر ممّا كان صغيرها يتوقّع.

هيه... إيه... لقد انتظرتُ طويلاً ولم تحضر أمي الطّعام لي بعد، أنا جائع. ماذا أفعل؟ لقد وجدتها! وجدتُ الحلّ. سأتسلّق الحائط وأذهب إلى البستان هناك وآكل الفاكهة.

وجاءه صوت: إلى أين تتسلّق يا صغير؟

مَن؟ أنا؟

نعم، أنتَ؟

أخبرتني أمي عن فاكهةٍ لذيذةٍ أحبّ أن آكل من الحديقة المجاورة. فهمتَ ماذا أقول لك؟ أنا ذاهب لآكلها.

ولكنّ يا صغير، إن رآك الحارس ضربَك. إيّاك أن تخرج!

لا تخافي عليّ.

لا تذهب. لا تتسلّق السّور كي لا تسقط وتكسر يدك أو رجلك أو ظهرك أو رأسك.

لا تخافي. نحن القرود نعرف كيف نقفز.

قفز القرد الصّغير وصاح: ها قد قفزتُ ولم أُصَب بأذى. على كلّ حالٍ الحائطُ ليس مرتفعًا.

فردّ عليه صوت: هيه! يا صغير! أنت يا صغير!

هيه! مَن يتكلّم؟ مَن يتحدّث إليّ؟

أهلاً! أهلاً بك. مَن أنت؟

أنا الفاكهة، الفاكهة المعلّقة على الشجرة.

يعني أنتِ الثّمرة المُلوّنة الجميلة الطّيبة اللّذيذة؟

نعم، نعم! تعال إلينا، اقطفنا وكُلنا.

أنا قادم. أنا قادم بسرعةٍ، سأتسلّق الشّجرة وسأصل إليك حالاً، في لحظةٍ واحدةٍ سأكون عندك.

قالت الثّمار: وَصَلَ. وَصَل إلينا القرد الصّغير. إنّه صغير ومُضحك أيضًا.

نعم، أنا أتيت.

اقطف وكُل.
هاه.. هاه.. قطفتُ. هاه.. هاه.. قطفتُ الثّانية. أوه.. ما أشهى هذه الرّائحة!

كيف لو ذقتنا؟ إذن؟

ذقتكم؟ ما اسمكم؟

تفّاح. تفّاح. اغسلنا وكُلنا.

حسنا. سأفعل.

هل ترى أيّها القرد الصغير الماء في البركة هناك؟ اذهب واغسلنا ثم كُلنا.

طيب، طيّب. سأذهب. بعد ذلك سآكلكم وأبلعكم.. سأشبع.. هيه..

عادت الأم فلم تجد ابنها، فصاحت: ابني! ابني يا ناس، ذَهَب ولم يعد. أين أخذتَه يا حارس حديقة الحيوانات؟

أجابها الحارس: أنا أبحث عنه أيضًا. من ثلاث ساعاتٍ ذهب، ومن ثلاث ساعات وأنا أبحث عنه، ولكنّني لم أجده.

آه يا حبيبي! كيف تركتني؟ أنا أوصيته ألا يذهب.. إنّه مخلوق مُستهتر لا يعير كلامي أي انتباه.

للحقيقة يا سعدانة، ابنك شقيّ، غافلنا وقفز عن الحائط، قال الحارس.

علا صوت بكاء الأم: آه.. آه.. أه...

حَزِنَ الحارس وقال لها: لا تحزني ، نحن سنبحثُ عنه بكلّ وسائلنا. كُلي، كُلي طعامك!

فقالت الأم: وهل يطيب لي الطعام؟ أنا ذهبتُ خصّيصًا لأحضر له الطّعام، وصاحت: يا حبيبي! أين أنتَ يا طفلي الصغير. أريده الآن، الآن! ابني.. لن آكل ولن أشرب قبل أن يعود حبيبي الصّغير.

أجابها: مهلاً، مهلاً يا سعدانة! ترفّقي بحالك.

فتحت امراةٌ في المبنى القريب من البستان شباكها لترشّ الأزهار ماءً وترويها، فإذا بها ترى القرد الصّغير يقفز بين الأغصان، فقالت: غريب! ما هذا القرد الصّغير الذي يعتلي الشّجرة؟

ضحك القرد الصّغير.. هه، هه، هه.. هذه السّيدة ترش الأزهار بالماء. ثم سمع صوتًا يخرج من صندوقٍ صغيرٍ وكأنّه شباّك وفيه شخص يتكلّم: تحيةً طيبةً أيها المُشاهدون الكرام من محطّة التلفزيون الوطنيّة: إليكم هذا النبأ أيها المُشاهدون الأعزاء: اختفى قردٌ صغير من حديقة الحيوانات. وقد حزنت الأمّ على قردها الصّغير. لم تعد تأكل ولا تشرب. يُرجى ممّن يعثر على هذا القرد الصغير أن يتّصل بحديقة الحيوانات لكي تعيده إلى أمه. وها هي الأمّ على الشاشة. إنّها في حالةٍ مُزريةٍ.

علا صوت الأم باكيةً: أين أنتَ يا بني؟ أين أنت؟

فصاح القرد الصغير باكيًا: أمي؟ هذه أمي.. آه..
شاهدته سيّدة فقالت له: لا تبكي يا صغيري.. أنا سأبعث بك الى أمّك.. لحظة.

ثم إتّصلت هاتفيًا بحديقة الحيوانات: هالو، هالو، حديقة الحيوانات؟ القرد الصغير الذي تبحثون عنه هو عندي في البيت.. تعالوا خذوه.. هاه..؟ بيتنا؟ بيتنا قرب الغابة. سأبقي القرد الصغير عندي حتّى تحضروا.

وكان القرد الصغير يبكي.. ويقول: أمي! أمّي!

نقل القرد الصغير إلى أمّه فاستقبلته باكيةً: ابني حبيبي.. كم شغَلتَ بالي!

فاجابها القرد الصّغير: أمي حبيبتي! وهو يبكي فرحًا.

فقالت: تألمتُ كثيرًا يا صغيري بسبب استهتارك. أنا نبّهتك ألاّ تًغادر مكانك.

فأجابها بحزنٍ: أخطأتُ يا أمّي، أخطأتُ. لن أعيدها بعد الآن!


القصة التالية - قصة الدب دبدوب
[next]



الدب دبدوب
قصة الدب دبدوب



أنا دب صغير، بني اللون. أنا دبدوب: بطل؟ بطل؟! أنا بطل.. يعيش البطل! يعيش! يعيش! يعيش!

وفجأة سمع صوت أمه تناديه: دبدوب! يا دبدوب! أين أنت يا حبيبي يا دبدوب؟

أوه! هذه أمي! أنا واثق أن عندها مطلباً! يا ألله! كيف أستطيع أن أتهرب من تنفيذ مطلبها؟!

عادت الأم تناديه: تعال يا دبدوب! تعال حالاً ساعدني في حمل السلّم! إنه يكاد يسقط من يدي!

سلّم؟ وهل أنا متفرغ لمثل هذه الأعمال (لنفسه)؟، ثم لأمه: ماذا تريدين يا أمي؟

قول أسرع! عجل! يكاد السلم يفلت من يدي ويحطم كل شيء..

حسنا! أنا قادم.. قال دبدوب.

أسرع! أسرع يا دبدوب!

قلت لك أنا قادم يا أماه.

(وقع السلم، يسمع صوت وقوعه).

ما هذا؟ ماذا حدث يا أمي؟

ماذا حدث؟ سقط السلم وحطم كل شيء! أنا حين أناديك يا دبدوب أكون بحاجة ماسة جداً إليك! أتسمع ما أقول؟

ن..ن.. نعم يا أمي.. أنا أسمع..

ولماذا لم تأت حالا؟

اعتقدت أنك تطلبين مني عملاً أستطيع أن أنجزه بعد حين!

قال الأم بغضب: دبدوب! تصرفاتك لا تعجبني أبداً.

أنا آسف يا أمي!

أنا آسف يا أمي؟ أليس عندك عبارة أخرى غير أنا آسف يا أمي؟ لقد سمعت هذه العبارة أكثر من مليون مرة. وبحياتك كلها لم تتعلم أن تلبي ندائي بسرعة!

أنا آسف يا أمي!

أرجوك لا تقل أنا آسف. قم وساعدني في جمع ما تحطم!

حالا: حالا وسريعا يا أمي!

قام دبدوب بمساعدة أمه وهو يعتذر ويعدها أنه سيلبي طلباتها في الحال، ولن يكون دباً مهملاً بعد الآن..

قال دبدوب لأمه: هذا وعد شرف يا أمي!

ضحكت الأم وقالت: ذكرتني يا دبدوب بقصة الدجاجة النشيطة.

ماذا فعلت الدجاجة يا أمي؟..

لماذا أحكيها لك أنا؟ دع الراوية تحكيها لك، وأنا أمثل معها الأدوار المطلوبة.

حسنا! أنا سامع..

حكيت الأم: عاشت دجاجة صغيرة مع بطة وإوزة. وكانت كل من البطة والإوزة مضرب مثلٍ في الكسل.

قالت الإوزة: لا، أنا لا يمكن أن ألبي طلبات الدجاجة دائما.. فهي تطلب إلي أن أقوم بأعمال وأعمال.. هذا كثير!

قالت البطة: وأنا أيضا.. لا أستطيع أن ألبي طلباتها! إنها كثيرة الطلبات!

وقالت الدجاجة: هه! ماذا سأعمل؟ أنا مضطرة أن أعمل كل شيء في المنزل! أمري للهَ!

وفي أحد الأيام سألت الدجاجة: من منكما تشعل لي النار؟

قالت البطة: نشعل النار؟ الحقيقة أنا البطة لا أقدر.

وقالت الإوزة: الصراحة.. أنا الإوزة.. لا أستطيع. أنا مشغولة.. هل أنا متفرغة لطلباتك؟

أجابتهما الدجاجة: كما تريدان، أنا أقوم بنفسي بإشعال النار.

(تنفخ).. ها قد أشعلت النار، والآن.. من منكما ستحضر الكعكة للفطور؟

أوه.. أنا البطة لن أحضر شيئا، فأنا مشغولة.

وأنا الإوزة لن أحضر شيئا، فأنا أيضا مشغولة.

أه.. لا بأس.. أنا أحضر الطعام.

وفعلاً، قامت الدجاجة بتحضير كعكة صغيرة للفطور. وحين كانت تخبز الكعكة سألت الدجاجة: والآن.. من يعد المائدة منكما؟

أنا البطة أعتذر، لا يمكنني أن أعد المائدة، فأنا تعبة جداً، رأسي يؤلمني.

وأنا الإوزة لا أستطيع أن أعد المائدة، فأنا تعبة ورأسي يؤلمني.

لا بأس قالت الدجاجة.. أنا أقوم بإعداد المائدة بنفسي.

أعدت الدجاجة المائدة، وأنزلت الكعكة، ووضعتها في طبق، وحملتها إلى المائدة، ورتبت كل شيء، وسألت: والآن يا بطة، ويا إوزة، من يأكل هذه الكعكة؟

قالت البطة أنا آكل الكعكة!

قالت الإوزة آكل الكعكة.. آكلها كلها!

قالت الدجاجة: إنكما لن تأكلا منها شيئا!

قالت البطة والإوزة معا: إلى أين تأخذين الكعكة؟

أجابت الدجاجة: هذا أمر لا يعنيكما، لم تساعدني أي منكما فكيف أطعمكما؟

حملت الدجاجة الكعكة وذهبت بها إلى مكان بعيد وجلست لتأكلها. ولكن رائحة الكعكة كانت شهية للغاية، فشمها الثعلب كما شم رائحة الدجاجة، فأمسك بالدجاجة، فأخذت تصيح: أتركني، أتركني يا ثعلب! أرجوك!

وضعها الثعلب في كيس وحملها على ظهره وأخذها إلى البيت ليطعمها لأولاده. وراحت الدجاجة تفكر وهي في الكيس: أه، سأعطس.. هه! أين منديلي؟ كان في جيبي! (عطست)..

ضحك الثعلب وقال: إنها سمينة.. لكنني تعبت.. فلأسترح قليلا هنا قرب الحجارة..

أنزل الكيس ووضعه على الحجارة واستراح قليلا، فيما كانت الدجاجة تقول: حين مددت يدي إلى جيبي لأبحث عن المنديل، وجدت المقص الذي أستعمله في الخياطة. إذن سأقص الكيس وأخرج منه وأضع مكاني حجرا. وهكذا فعلت.

حمل الثعلب الكيس إلى بيته ولم يعرف حقيقة ما جرى إلى حين فتح الكيس ووجد فيه حجراً بدلاً من الدجاجة!

في تلك الأثناء، كانت الدجاجة قد عادت إلى بيتها، وراحت تقول لرفيقتيها البطة والإوزة: أهكذا فعلتما؟ لم تساعداني، فأخذت طعامي بعيدا عنكما، وكاد يأكلني الثعلب لو لم أكن متيقظة!

قالت البطة: أنا آسفة يا صديقتي الدجاجة! من الآن فصاعداً سأفعل ما تطلبينه حالا، وسأساعدك لكي تبقي معنا.

وقالت الإوزة: أعذرينا! لن نكون خاملتين بعد الآن. سنعاونك دائما كي تبقي معنا.

دبدوب يضحك ويقول لأمه: كانت البطة والإوزة تفعلان كما أفعل أنا. صدقيني يا أمي، من الآن فصاعداً لن أتهامل، وسأحضر كل ما تطلبين مني لكي تبقي معي وأبقى أنا معك.

فرحت الأم وقالت: عافاك يا دبدوب يا أحلى وأطيب دب.

القصة التالية - قصة الغزال الحزين
[next]



الغزال الحزين
قصة الغزال الحزين



يُحكَى أنّ حربًا طاحنةً قامت في قديم الزّمان بين مملكتين عظيمتين، نَجَمَ عنها خسائر مادية وبشرية كبيرة. وقد راح ضحية الحرب صياد وزوجته، أتت النار على كوخيهما واحترقا فيه.

وكان للصياد المسكين فتاة وفتى. الفتاة اسمها سهاد والفتى اسمه هاد، وقد نجوَا من الموت بأعجوبةٍ، حيث كانا في الغابة يجمعان الحطب.

حزنت سهاد على فقدان والديها حزنًا شديدًا. ومضت الأيّام وهي تحاول بصعوبةٍ تدبير أمرها وأمر أخيها. فكانا يتعاونان على جمع الثّمار الجافة التي تسقط على أرض الغابة، أو يقتلعان جذور بعض الحشائش التي تُؤكل ليدفعا عنهما شبح الجوع...

وذات يومٍ، جلست الأخت سهاد وقالت لأخيها هاد: يا أخي الحبيب، لقد أصبحت الحياة شاقة، وتكاد لا تُطاق هنا. أظنّ أنّه من الأفضل لنا أن نغادر إلى مكانٍ أوفر غناء وأكثر ماء.

هزّ هاد رأسه علامة الإيجاب، فتناولت الأخت راحته وسارا باتجاه المجهول. أخذا يطويان المسافات، يتسلّقان تلالاً ويهبطان أوديةً حتّى أنهكهما التعب، فقال هاد لأخته، وقد شعر بالعطش الشديد: أختي، أختي! أنا عطشان، أريد ماء! فردّت سهاد: اصبر يا أخي الصّغير على الظمأ، فإنّنا بعد حينٍ سنصل إلى نبعٍ تنساب منه مياهٌ غزيرةٌ فتشرب منه ما تشاء. وتابعا سيرهما، والغابة صارت خلفهما، لكنّهما لم يقعا على نبع ماء.

ارتفعت الشّمس في قبة السّماء، وصار الهواء أكثر حرارة وجفافًا، واشتدّ عطش هاد الصغير وعيل صبره فوقع نظره على حفرةٍ صغيرةٍ مليئة بالماء، فانكبّ ليشرب بلهفةٍ، فمنعته أخته قائلة: إياك! إياك يا أخي أن تشرب من هذا الماء! فإنّك إن شربت تحولت في الحال إلى جَمَلٍ، لأنّ الحفرة فيها آثار أقدام جمل، فقد سحرتها عجوز لعين.

امتنع هاد عن شرب الماء وتحامل على عطشه وتابع السّير. وأخذت الحرارة تزداد، وأصبح الهواء يشتدّ سعيره، والعطش يتملّك من الصّغير ساعةً بعد ساعةٍ. وبعد برهةٍ من الزّمن، اعترضت الطريق حفرةً صغيرةً فيها ماء، فهرع هاد ليشرب. ومرةً أخرى منعته سهاد وقالت: انتبه! لا تشرب من هذه الحفرة واصبر على عطشك يا أخي، فقد مضى الكثير ولم يبق إلاّ القليل. وإذا أنتَ شربت من هذه الحفرة، سوف تنقلب فورًا إلى حصان، لأنّ الساحرة الشريرة أجرت سحرها ووضعت آثار حدوته في الماء.

حزن هاد وهو يمشي خلف أخته، وقد أخذت خطواته تتباطأ وأنهك العطش قواه.

وبعد حينٍ رأى حفرةً صغيرةً فيها بعض الماء. فهجم عليه يشرب بنهمٍ من دون أن يلتفت إلى تحذير أخته. وما إن استقرّت جرعة الماء في معدته، حتى انتفض في الهواء وانقلب إلى هيئة غزالٍ صغيرٍ.

أدركت سهاد أن سحر الساحرة الشريرة قد وقع، فبكت بكاءً مرًا وجلست على العشب حزينةً. وراح الغزال يدور حولها وقد اغرورقت عيناه بالدّموع.

حلّ الظلام واحتضنت الأخت أخاها الغزال حتى طلوع الفجر. وعندما استيقظت سهاد، رأت في الأفق شبح فارسٍ يقترب منها، فاضطربت وطوّقت عنق أخيها الغزال خوفًا من مكروهٍ يلحقه الفارس به. لكن الفارس كان أميرًا عظيمًا، تأثّر لمنظر الأخت والغزال. وثارت عاطفة نبيلة في نفسه، فتقدّم منهما وقال: "أيّتها الحسناء، هل تقبلين صحبتي إلى قصري؟ فأنا أمير هذه البلاد، سوف تنعمين بعيشٍ رغيد".

أطرقت الفتاة هُنيهةً قبل أن تردّ على الأمير، قائلةً: أقبل عرضك الكريم مع الشّكر، ولكنّ بشرط. استغرب الأمير وقال: وما هو هذا الشرط؟ فأجابت سهاد: إن أنتَ قبلتَ برفقة الغزال لي وعدم مفارقته أبد الدّهر.

عاد الأمير إلى قصره مُصطحبًا معه سهاد وأخاها الغزال. وعاش الجميع وسط مظاهر الفرح والبهجة.

وذات يومٍ، حضرت إلى القصر ساحرةٌ ماكرة وهي متخفّية في صورة امرأة طيّبة، وقد أوقعت سهاد تحت تأثيرها حين ادّعت لها أنها تستطيع إعادة الأخ الغزال إلى صورته الأولى، ولكن إن هي حفظت السّر ورافقتها إلى كهفها خارج المدينة، ووعدتها أنها ستحضّر العبارات اللاّزمة التي تفوق القوى التي سحرت هاد إلى غزال.

انطلت الخدعة على سهاد. وعندما وصلت الساحرة الشريرة بضحيّتها إلى الكهف، دفعتها إلى قعر بئرٍ كبيرة وأغلقت بابها بحجرٍ ضخمٍ. ثم حوّلت الشريرة نفسها إلى صورة سهاد، فارتدت ثيابها وعادت إلى القصر طمعًا بالفوز بقلب الأمير والزّواج منه عندما يحين الأوان.

وفعلاً، لم يلحظ الأمير ومَن كان معه في القصر أي اختلافٍ في سهاد الجديدة. وراحت تأمر الخدم وتنهر الحرس ولا أحد يعلم من أمرها شيئًا، وإن كان الجميع باتوا يستغربون تصرّفاتها.

أمّا سهاد التعيسة، فقد بقيت في قاع البئر لا أحد يدري بأمرها. الغزال وحده عَرَف أنّ التي في القصر وعلى هيئة أخته ليست سهاد وأدرك أن أمرًا خطيرًا قد حلّ بأخته. وصار، كلّما رأى الأمير، يدور حوله ويثغو ثغاء حزينًا والأمير لا يفهم ما يقصده الغزال. ولشدّة حزنه، امتنع الغزال عن الطعام، وبات لا يقرب العشب ولا الماء بل صار يخرج إلى الكهف قبل الفجر ويقف أمامه ويثغو ثغاء حزينًا ويعود إلى القصر قبل أن يستيقظ أهله.

في هذا الوقت، لاحظت الساحرة تبدّل تصرفات الغزال، فشكّت في أمره. وعندما راقبته مراقبةً شديدةً رأته يخرج إلى الكهف ويثغو ثغاء حزينًا، ثم يعود قبل طلوع الشمس، فخشيت أن يفتضح أمرها لدى الأمير، وأضمرت للغزال شرًا مُستطيرًا.

ألحّت السّاحرة الشريرة على الأمير بذبح الغزال ودعوة الأمراء والأعيان إلى حفل عشاءٍ فاخرٍ يطلق البهجة في أجواء القصر. ثم أمرت الخدم بإيقاد النار تحت القدور النّحاسية وشحذ السّكاكين لذبح الغزال. اكتشف الغزال أمر ذبحه، فهرب إلى الكهف وأخذ يبكي بكاء مرّا ويطلق أصواتًا حادةً حتى تمكّن من النطق بلغةٍ فصيحةٍ، فهَتَف وقال: أختي الحبيبة سهاد،‍ اخرجي من قاع البئر وساعديني لأتخلّص من يد الساحرة الشريرة. لقد أشعلت النيران ووضعت القدور النّحاسية ملأى بالماء فوقها؛ لقد شحذت السكاكين ودعت أصدقاء الأمير الطّيب إلى حفل هذا المساء وقد زُيّن القصر وسيكون لحمي طعامًا لهم!

بلغ صوت هاد مسامع أخته سهاد وهي في أعماق البئر، فصرخت بأعلى صوتها: أخي، أخي الحبيب هاد‍، إن كتفي أختك سهاد مشدودتان بحبلٍ غليظٍ، وإنّ قدميها مربوطتان إلى حجرٍ ثقيلٍ. هي في قاع بئرٍ عميقةٍ لا تقوى على مساعدتك.

وخرج صوت سهاد من الكهف عاليًا وقويًا وتردّد صداه في أرجاء الوادي، فبلغ مسامع بعض الجَبَلييّن، فأسرعوا إلى القصر وأبلغوا الأمير بالأمر العجب. فهَرع الأمير إلى الكهف وأخرج سهاد من البئر. وعندها، أسرع الغزال يمرّغ خدّيه على خدي أخته. وهنا حصل الأمر العجيب.‍

فعندما امتزجت دموع الغزال الحزين بدموع أخته، عاد إلى صورته الإنسانية، فَسَرَت موجةٌ من الفرح الشّديد في الحشود التي وقفت خلف الأمير. وعاد الجميع إلى القصر، بعد أن أعلمت سهاد الأمير بقصّتها.

أمّا الساحرة الشريرة، فقد رُبِطَت إلى حجرٍ ثقيلٍ، وأُلقِيَت في البئر، وصارت الآبار المهجورة حتّى يومنا هذا مدفنًا للسّاحرات الشّريرات.

عاش الأمير- بعد أن تزوّج من سهاد- سعيدًا ونَعمَ الجميع بالطّمأنينة، وصار هاد بعد أن أصبح شابًا وزيرًا عند الأمير. وعمّ الخير والسّرور الإمارة كلّها...


القصة التالية - قصة الفأر فأرور
[next]



الفأر فأرور
قصة الفأر فأرور



قال فأرور: " سيء، سيء، سيء. أمي لا تراني الآن وسأخرج إلى الشارع ".

فأرور، إلى أين أنت ذاهب يا فأرور؟ صاحت الأم.

أنا؟ أنا ذاهب يا أمي لأتفرج خارج وكرنا!

إياك أن تخرج يا فأرور.

لا أخرج؟ لماذا لا أخرج؟

لا تخرج يعني لا تخرج. هل فهمت ما أعني؟

نعم، نعم يا أمي، ولكن لماذا؟

أوه! لماذا الأسئلة؟ ولكن يجب أن أقول لا، يجب أن يعرف لماذا أقول لا.

لم تخبريني يا أمي لماذا.

يا حبيبي في الخارج يمكث هرّ.

هه! ما هو الهر يا أمي؟

الهر هو عدوّ الفئران.

عدونا؟ ماذا تقصدين بكلمة عدونا؟

عدونا يعني عدونا. يعني خصمنا يا حبيبي. يعني إن خرجنا ولم ننتبه إليه يأكلنا.

يأكلنا! ولماذا يأكلنا؟

أسئلة! أسئلة يا فأرور! يعني إذا أكلنا يعني انتهينا. يعني لم يعد لنا حياة.

و.و.. وهل إذا خرجت أنا يأكلني الهر؟

طبعا. الخوف عليك أكبر من الخوف على أي فأر كبير آخر.

لماذا؟ لماذا يا أمي؟

لماذا؟ لماذا؟ دائما لماذا؟ لأنك يا فأرور صغير، جاهل، لا تعرف كيف تتصرف.

إن أقبل إليّ الهر أهرب منه... ززز... ولا يستطيع أن يمسك بي، أكد لها فأرور.

أجابت الأم: كثيرون من الفئران اعتقدوا ذلك، ولكنهم وقعوا بيد الهر.

ولماذا لا نطرده؟

هه! نحن نطرده؟ نحن الفئران جبناء، حتى لو طردناه هناك آلاف غيره تأتي وتهاجمنا.

هاه! إذن هناك هررة كثيرة مثلما هناك فئران كثيرة؟

نعم. ويكفي الآن أسئلة يا فأرور.

طبعا لم يكفّ فأرور عن الأسئلة، فقد لمس أن أمه قد تضايقت منه، فذهب إلى أبيه الفأر يسأله.

أبي، أبي...

نعم، نعم يا فأرور.

حكت لي أمي عن الهرة وحذرتني منها.

نعم يا بني.

هل لك أن تخبرني يا أبي كيف السبيل لاتقاء شرور هذه الهررة؟

يا بني، نحن نستطيع أن نتقي شرورها باتباع وصايا أجدادنا.

ما هي وصايا الأجداد؟

يا حبيبي، يا بني! أوصانا أجدادنا بمزيد من الحذر، كما أوصونا بالرشاقة وخفة الوزن للهرب والركض. وقد أوصونا أيضا بأن نتعلم الصبر على آلام الجوع ريثما تتاح لنا الفرصة لنخرج ونبحث عن طعامنا.

أه.. فهمت. يعني يجب ألا أخرج من الوكر إلا عندما أتأكد من أن لا شر يتربص بي في الخارج.

بالضبط! بالضبط يا صغيري!

شكرا، شكرا، يا أبي.

وذات يوم خرج أبو فأرور لإحضار الطعام، لكنه ذهب ولم يعد. وبكت الأم كثيراً.

لماذا تبكين يا أمي؟

أبوك الفأر خرج ولم يعد.

هه! ماذا أصابه يا أمي؟

ليتني أدري يا حبيبي. ولكن هناك من رأى الهرة تضربه وتلتهمه.

الهرة؟

أنا أحذرك يا بني، فبرضاي عليك انتبه من الهرة.

اسمعوا يا معشر الفئران!

ما بك يا صغيري؟ هل تريد أن تخطب بهذه المناسبة؟

أريد أن أقول كلمتي أمام الجميع.

[صوت فئران: سء، سء، سء].

قالت أحدها: دعوه يتكلم! إنه حزين على أبيه. استمعوا إليه.

لا يسعني أيها الإخوة إلا أن أعلن أمام جميع الفئران هنا في هذا الحجر الكبير بأن نصائح الأجداد لم تعد صالحة. أعني أن الحذر لم ينجّ والدي الفأر من براثن الهرة.

[الفئران تتكلم وأحدها يصيح: ما هو البديل]؟

أه... الآن وصلنا إلى صلب الموضوع، البديل هو أن تنكب الفئران على قراءة الكتب التي وصلت إلى الحجور المجاورة والتي تعلمنا كيف نتخلص من بطش القطط الماكرة.

وهكذا عكف فأرور على قراءة الكتب التي ألفها عباقرة الفئران منذ آلاف السنين، من دون أن يقوم بالتمرينات للمحافظة على رشاقة جسده. ولما فرغ كان الجوع قد أصابه بالضعف والهزال. ولما أراد أن يخرج للبحث عن طعامه داهمه الهر. فتمكنت كل الفئران من الهرب باستثناء فأرور.

استنجد فأرور برفاقه: أنقذوني لقد أمسك الهر بي.

يا حسرتي! وقع فأرور في يد الهر. خلصوه يا رفاق!

علا صوت القط: ميو ميو ميو. ميو.

أرجوك يا هر.. دعني وشأني. أنا فأر مثقف، درست كل شيء. أقرض الشعر وأغني.

الهر بقوة: ميو! ميو! أما أنا يا فأرور، هر لا أعرف شيئا، وكل ما أجيده هو اصطياد الفئران التي لا تعرف كيف تهرب ولا كيف تدافع عن نفسها.

أه... أه...

بكت الأم وقالت: أه! يا حسرتي عليك يا فأرور! لو درست أصول الرياضة والركض وتمرنت كما فعلت وأنت تدرس، لما واجهت هذا المصير.


القصة التالية - قصة وفاء فرس
[next]

وفاء فرس
قصة وفاء فرس


قامت الحرب بين قبيلتين، واستمرت المعارك بينهما شهورا طويلة. وكانت الحرب أحيانا تتوقف اياما قليلة، تجمع فيه كل قبيلة قتلاها، وتجهز اسلحتها، ثم تستأنف القتال مرة أخرى، وذات مرة. كلف قائد القبيلة فارسا من أشجع فرسانها، ليذهب إلى قبيلة الأعداء، ويعرف أخبارها، ليخبر أهل قبيلته بما رأى وبما سمع.

خرج الفارس على جواده العربي الأصيل، وقد لبس درعه، وحمل سيفه، انطلق الفارس في اتجاه معسكر الأعداء، واقترب من خيام الأعداء، والتفت.. فإذا جماعة من الفرسان تلتف حوله من كل جانب، أخرج الفارس سيفه، وراح يضربهم بقوّة، لكن كثرة الأعداء غلبت الفارس، فجرحوه، ووقع على الأرض، أسرع فرسان الأعداء، وقيدوه بالحبال، وحملوه إلى خيامهم، ثم وضعوه في خيمة، وتركوه فيها.
أقبل الليل، وأظلمت الدنيا، والفارس وحيد في الخيمة يتألم من جراحه، ويتوجع من قيوده، ولا يستطيع النوم، وفجأة سمع صهيلل فرسه، وأحس في صوت الفرس ما يشبه الألم والشّكوى، جمع الفارس الجريح ما بقي من قوته، وتحامل على نفسه، وأخذ يزحف على الأرض – وهو مقيّد – إلى مكان الخيول، ورأى فرسه مربوطا في شجرة، فكر الفارس ان يفك قيد فرسه، ويطلق سراحه، ليعود إلى قبيلته، فيعرف أهل القبيلة ما حدث له، ويحضروا لإنقاذه!

اقترب الفارس من حصانه، كانت يداه ورجلاه مقيّدة بالحبل، فك الفارس قيد الحصان بأسنانه، قال الفارس:هيا، انطلق ايها الفرس، ارجع إلى خيامنا، اسرع.

استدار الحصان نحو صاحبه، ووقف ينظر إليه حزينا على ما أصابه، كأنّه يقول:كيف أرجع وحدي، وأتركك مقيد في يد الأعداء؟!.

نظر الحصان إلى جسم صاحبه فوجده مقيدا بالحبل، فقبض الفرس بأسنانه على الحبل، ورفع صاحبه عن الأرض، وانطلق بعيدا عن خيام الأعداء.

كان الطريق طويلا، والحمل ثقيلا، ولكن الحصان لم يستسلم للتعب، جرى، وجرى، لم يتوقّف إلا عندما وصل إلى خيام قبيلته، أنزل الحصان صاحبه على الأرض برفق، وأخذ يصهل بصوت ضعيف مريض، وهو يكاد يقع على الأرض!

سمعت زوجة الفارس صوت صهيل الحصان فتنبّهت وأسرعت إليه، وصلت الزوجة إلى زوجها الفارس بصعوبة، فكّت الزوجة قيود زوجها بسرعة، قام الفارس إلى حصانه يحاول أن يسعفه، لكن.. من غير فائدة! كان الحصان قد مات من التّعب!

حزن الفارس على حصانه حزنا شديدا، وتناقلت القبائل حكاية هذا الفرس الوفيّ، وبقيت حكايته بين الناس مثالا على الإخلاص والتّضحية.